يبكون بأفئدتهم، ويتحدثون بأعينهم فتذرف الأحرف بالأسى من شفاههم. ليس لهم من الحياة سوى مرارة الفقد بعيشهم أيتاما، ينامون ويستيقظون في غرف نوم لا تمدهم إلا بالعناء، حين يجتمعون في صالات ترفيه لا تحمل من الترفيه سوى المسمى حين يدوي الفراغ من أنحائها ويتدلى على جدرانها، فكل شيء يتمنونه إما مفقود أويتيم... قائلين "إننا في هذه الحياة نعيش خارج أدنى مقومات الحياة السعيدة الهانئة". "الوطن" زارت دار التربية الاجتماعية بمبنى الشؤون الاجتماعية بمدينة جازان واطلعت على واقع حياتهم مع الخدمات المقدمة وخرجت بقصص، يجب أن تروى ليتبدل الحال. إهمال يقول عبدالمجيد عبدالمحسن "الحمامات متسخة، وتعاني الإهمال وغرف النوم تفوح الروائح الكريهة منها نظرا لبلوغ الحالة النفسية لبعض الأيتام درجة أدت إلى التبول أثناء النوم"، وتابع "مما يفاقم الوضع اكتشافنا لعدم توفر مغاسل للملابس داخل الدار، حيث تؤخذ ملابسنا لغسلها بالخارج وننتظر قرابة ثلاثة أيام لوصولها نضطر معها للبس الملابس المتسخة بانتظار وصول ملابسنا النظيفة من الخارج"، وحين نخاطب الإدارة بحاجة غرفنا للصيانة يكون الرد:" بكره.. بعده". ومضى يقول "سررنا مكسرة ولا توجد بطانيات" ويضيف "تفاجأت في إحدى الليالي بأن أخي حسين ينام في المسجد ويقي نفسه من البرد بورق الجرائد، وفي مرات أخرى نجده يستعمل الأكياس البلاستيكية كغطاء له من البرد، ويتقي لسعات الحشرات". جهد شخصي للتعويض فيما تحدث سليمان عن جهدهم الشخصي في توفير وسائل الترفيه، مؤكدا أن شاشة التلفزيون ال lsd وجهاز الألعاب "البلاي ستيشن" اشتروه من حسابهم الخاص، ومضى يقول "قمنا بجمع المبالغ من إخوتنا في الدار لنشتري ما نحتاجه من وسائل ترفيه، ونحتفظ بالفواتير لإثبات ذلك"، واستدرك "كما أننا طالبنا بتفعيل معمل الحاسب الذي لا يتوفر فيه الإنترنت حتى الآن، كما أننا نواجه صعوبة عند طلبنا بفتحها". أين مكافآتنا؟ وعن المكافآت التي تصرف لهم قال عدد من الأيتام "أما المكافآت فكل شهر تصرف لنا 3 آلاف لكل يتيم لا يأخذ منها طالب الثانوي سوى 300 ريال وطالب المتوسط 200 وطالب الابتدائي 100 ريال" وتساءلوا عن مصير الباقي من مكافآتنا. وعن واقع التغذية قالوا "وجبة العشاء بالأمس كانت "أندومي" ومع منتصف الليل يصيبنا الجوع، كما أن وجبة الإفطار تجلب من الخارج وحال مطبخنا سيئ ومتسخ والطباخ غير جيد". نقل وتشتيت وعن نقلهم لخارج المنطقة بحجة عدم وجود دار مخصصة لهم أكدوا بالقول "هددنا من قبل المسؤولين في شهر رمضان بالنقل إلى أبها بحجة أننا كبار وأصبحنا نؤثر على الصغار، فقدمنا شكوى لأمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر ووجه بعدم نقلنا ودراسة الوضع، وبعد أن علم المسؤولون بمقابلتنا الأمير أبدوا غضبهم منا". يقول سليمان "نحن أسرة نشأنا مع بعضنا، وفجأة يشتتوننا، مع العلم أن الحل بسيط، بإنشاء دار ثانية". وقد حصلت "الوطن" على نسخة من الخطاب الذي قدمه الأيتام لأمير منطقة جازان الذي طالبوا فيه بعدم نقلهم خارج المنطقة؛ حيث وجه الأمير محمد بن ناصر الجهات المختصة بعدم نقلهم إلا بعد التشاور معه. وسرد عبدالمجيد قصتهم مع نقلهم خارج المنطقة بقوله "كنا في دار الحنان وبوصول أعمارنا للثانية عشرة نقلونا لأبها وخمسة نقلوهم لدار التوجيه بالطائف، وبعد سبعة أشهر أعادونا لجازان في مبنى مستأجر بحي السويس وبعدها تم نقلنا لهذه الدار" وعن أهم مطالبهم قالوا "إننا نطالب بعدم نقلنا من جازان، ونطالب بوجود مؤسسة خيرية في جازان لرعاية الأيتام لمن هم في أعمارنا كباقي مناطق المملكة، تتولى رعايتنا حتى بلوغنا العشرين، وتساعدنا في الحصول على الوظيفة وتساعدنا على الزواج لنصبح بعدها أحرارا قادرين على الاعتماد على أنفسنا". "الوطن" التقت مع أحد فاعلي الخير ممن يتواصل مع أولئك الأيتام ويتبنى قضاياهم وإيصال صوتهم، قال "سألني الأيتام مع نهاية رمضان ما هي الزكاة؟ فعرّفتُها لهم، فقالوا لي: والله لا ندري هل قدموا زكاة عنّا أم لا" مؤكدا على أنهم اشتكوا له من تأخر الدار في شراء كسوة العيد للأيتام. الملابس من العيد للعيد الشاب سليمان الذي لا يملك سوى بدلة واحدة حسب قوله كشف لمصور "الوطن" عن صدره فأظهرت الصورة معاناته من الحساسية وبسؤاله عن سبب ذلك قال "من قلة الاستحمام لعدم وجود الملابس الكافية فأضطر لاستخدام ملابس غيري، فالكسوة لا نعرفها إلا من العيد إلى العيد طوال السنة". وكشف الأيتام الذين التقتهم "الوطن" عن مساهمتهم في علاج بعضهم بالقول "كان بعض إخوتنا يعانون من مشاكل في الأسنان فاجتمعنا في الدار نحن الأيتام وجمعنا مبلغا ماليا واستطعنا علاج واحد بعمل تقويم أسنان وبقي حدود ثلاثة بحاجة لعمليات أسنان". واختتموا مطالبهم بزيارة وزير الشؤون الاجتماعية لهم ليطلع على وضعهم ويؤمن لهم الاسقرار النفسي بعدم نقلهم من المنطقة. آثار سلبية من جهته قال استشاري الطب النفسي الدكتور رشاد السنوسي لا شك أن مفارقة المكان الذي نشأ به الأيتام وإبعادهم عن الأسر الحاضنة لهم له آثار سلبية، ومن الممكن جداً أن يؤدي للعديد من الاضطرابات النفسية التكيفية كالتوتر والقلق والشعور بالكآبة واضطرابات النوم وفقدان الشهية، مؤكدا أن الانتقال من بيئة لأخرى يعتبر من العوامل المحفزة للمشكلات النفسية سواء للصغار أو الكبار على حد سواء. وأضاف السنوسي أن درجة التأثر قد تختلف بحسب الاستعداد الذاتي لكل من هؤلاء الأيتام، فتأثيره قد يكون أكبر على الأصغر سنا. مشيرا إلى أنه من الممكن أن تكون هناك أسباب إدارية وجيهة تجاه نقلهم، ولكن إذا كان لابد من ذلك فأرى أن يكون مدروسا من الناحية الاجتماعية والنفسية لتهيئة الأجواء المناسبة والتخفيف من الآثار المتوقعة لذلك، وإيجاد برنامج متدرج يراعي احتياجاتهم خلال هذه الفترة. وقال إن وجود الأخصائيين النفسيين قبل تنفيذ هذا الإجراء وبعده سيساعد في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي المناسب وسيمكنهم من التدخل عند وجود مشكلات محددة لبعض الأيتام. حقوق مكفولة "الوطن" توجهت بالقضية إلى حقوق الإنسان حيث قال المشرف العام على فرع الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بمنطقة جازان أحمد البهكلي إن للأيتام حقوقا شرعية وقانونية يجب أن تؤديها الدولة والمجتمع دون تردد ولا تسويف. وأضاف "إن الله عز وجل قد أشار إلى الأيتام في كتابه الكريم، ومن أكثر الآيات شمولا لحق الأيتام قوله تعالى (فأما اليتيم فلا تقهر) التي جعلت مناط هذه الحقوق ومركزها في الإنصاف وعدم القهر". موضحا أن الاهتمام بالأيتام يبدأ منذ حمل أمهاتهم بهم ثم بالمحافظة عليهم بعد ولادتهم وعدم إيذائهم حتى لو كانوا ثمرة علاقة غير شرعية فلا يجوز قتلهم ولا رميهم في الشوارع ولا تركهم في المستشفيات لأن في ذلك إساءة مضاعفة يعاقب فاعلها مرتين. وأشار البهكلي إلى أن مسؤولية الدولة تنشأ بمجرد ولادة هؤلاء ودخولهم في دور الأيتام التي خُصصت لها أموال كثيرة تجرى عليها وعلى نزلائها. وشدد على أنه لابد من أن تختار الدولة القائمين على هذه الدور وعلى نزلائها من الرجال والنساء الصالحين المؤهلين أخلاقيا وعلميا وعمليا. لافتا إلى إمكانية مشاركة المجتمع في تسيير أعمال هذه الدُّور عبر أعمال تطوعية شبيهة بما تقوم به الجمعيات الخيرية. وأن الدور الأكبر تتحمله الدولة من خلال الجهة المختصة برعاية هذه الفئة الغالية وبالتحديد وزارة الشؤون الاجتماعية، وعن نقل الأيتام قال البهكلي "أما نقل الأيتام من مدينة إلى أخرى فقد يتسبب في مشكلات كثيرة على المستويين الاجتماعي والعاطفي لدى الأيتام، ويحسن بقاؤهم في المدن التي نشؤوا فيها وترعرعوا وتكونت صداقاتهم التي لا تقدر بثمن؛ حيث إن هذه الصداقات تملأ فراغ الوالدين. ويمكن تجهيز أكثر من دار في المنطقة الواحدة وترك الحرية في البقاء أو الانتقال للأيتام أنفسهم دون إجبارهم على شيء لا يريدونه". لا يوجد رد وتواصلت "الوطن منذ أكثر من شهر ونصف مع إدارة العلاقات بوزارة الشؤون الاجتماعية، ومع فرع الوزارة بجازان وإدارة التربية الاجتماعية بإرسال الخطابات والاتصالات الهاتفية لكن دون جدوى.