اعتاد الناس على رؤية أعلام الدول في مختلف الطرقات، في حال وجود قمة سياسية، أو قادة سيزورون هذه البلاد، إلا أن ذلك انكسر لكل من يزور مشعر منى، حيث أعلام الدول الإسلامية ترفرف على جسورها، وكأنها توحي في الوهلة الأولى، عن قمة سياسية في هذا المشعر، إلا أن ذلك ليس واقعا، لأن هذه الأعلام نُصبت لضيوف الرحمن لإرشادهم والترحيب بهم. كثير من علماء النفس يرون أن هذه الطريقة تجعل حجاج الخارج يشعرون بارتياح نفسي، وأنهم لم يغادروا بلادهم، وإنما انتقلوا إلى مدينة فيها، من أجل لقاء أشقاء لهم، إضافة إلى أن تراص الأعلام بهذه الطريقة، يدل على توحيد الأهداف بينها، والترابط الأخوى بين شعوبها. وبالقرب من هذه الأعلام توجد ملصقات ومخيمات معظم حملات الحج التي وصلت إلى هذا المشعر، وبالذات من أغلب دول الخليج، وما يلفت الانتباه إلى أن مسمياتها ترمز إلى "مناسبة الحج" وهي الأكثرية، بينما آخر تحمل أسماء تجارية ما يدل على "الاستثمار". ومن اللافت أيضاً أن الحملات التي ترمز ل"الاستثمار" هي من الداخل، فتجد بعضها تحمل أسماء ثلاثية إضافة إلى الكلمات الشهيرة والمتعارف عليها في الشركات السعودية وهي "وشركائه" و"إخوانه"!. أما نظيراتها في الدول الأخرى وبالذات الخليجية، تجد أسماءها متوافقة مع هدفها الأساس وهو خدمة الحجيج، والقريبة من الركن الخامس في الإسلام، ك"طيبة" و"الصفوة" والأقصى، وروح الإسلام. ورصدت "الوطن" في جولتها الميدانية، أن الحملات الخليجية تتسم ب"الأكثر تنظيماً" وتنسيقاً وترتيباً، فهي تحتوي على محاضرات دينية باستمرار، وأيضاً تحمل شعارات روحانية متوافقة مع هذه المناسبة، على عكس السعودية التي يسود مخيماتها "الهدوء". وما يميز الحملات الخليجية أيضاً أنها مجهزة بشكل رائع، ومنظمة ب"الزمن" و"الحركة"، حتى في تزيين مخيماتها التي تشد أعين كل من يمر بجوارها، ومن بينها الإماراتية التي يتوفر فيها طب وغذاء ومركبات، مما دعا بعض حجاج الخارج أن يستفيدوا من خدماتها أيضاً، من دون تذمر العاملين هناك، الذين أسعدهم ما يقدمونه. وفي المشعر نفسه، وبعد مغيب الشمس، وأثناء السير على جسر طريق الملك عبدالعزيز، يفاجأ المارة، أن "منى" تحولت إلى مجموعة من الأبراج العالية، ما يضعهم في "اندهاش" و"حيرة" من أمرهم، عن سرعة إنشاء ذلك، إلا أن هذا لم يكن واقعا، بسبب أن هذه الأبراج عبارة عن جبال منى، التي احتوى أعلاها على أبراج ومقويات الشبكات التقنية التي تكون مضيئة في الليل، الأمر الذي يساهم في إظهار الجبال على أنها معمارية، بطابع جمال لافت، وسط مرور قطار المشاعر بينها، الذي يعد مساره من أدق قطارات العالم، وتنظيم حركة الدخول وإلخروج منه بشكل مميز، وسط اكتظاظ الحجاج الواصلين عليه.