"اعتقدت أنني أجيد فن التعامل مع المال، فلطالما قطعت العهود لوالدتي بأنني سأكون مدبرة للمال مثلها، وهي التي استطاعت بحنكتها وحسن تصرفها أن تقوم على مصروفي وإخوتي وكافة احتياجات المنزل براتب والدي المتقاعد الذي لا يتجاوز الثلاثة آلاف ريال.. مرت الأيام وها أنا أتمتع بأول راتب يصرف لي بعد تعييني إدارية على المستوى الثالث، ولكن لم أجد التعامل مع المال كما توقعت، فما إن صرف لي أول راتب حتى وجدت نفسي أتجول بين المحلات التجارية، وأقوم بشراء ما يلزم ، وما لا يلزم أيضا".. هكذا قالت "مرام" في حديثها عن أول راتب، وأسلوبها في إنفاقه، وهي كغيرها من الموظفين الذين يحدد لهم أول راتب طريقة تعاملهم مع المال، فمنهم المدبر، ومنهم من لا يعير لصرف المال أهمية. وترى صيتة العبيد، وهي سيدة في الستين أن الحال اختلف كثيرا بين جيلها وجيل من تبعوها من الأبناء والأحفاد، تقول: "لست راضية عن طريقة تعامل ولدي "حمد" مع أول راتب له، حيث أدركت منذ الوهلة الأولى أنه سيقع في مطبات، ويتعرض لنكبات الديون، فهو لا يجيد التعامل مع النقود، والمبلغ الكبير كالصغير عنده"، مشيرة إلى أنه لا يدخر شيئا، ولا يعمل بالمثل القائل "القرش الأبيض يفيد في اليوم الأسود". أما الطالب الجامعي صالح العبدلي فقد أحسن التعامل مع المال منذ أول مكافأة له نزلت في الصراف، حيث عمد إلى ادخار معظم المبلغ، ولم يصرف منه إلا القليل. وتتحدث هيا السرحاني (ممرضة) عن تجربتها في تعاملها مع أول راتب، قائلة: "أول راتب زادني طمعا في أن يكون لدي الكثير من المال، فعمدت إلى تقديم طلب قرض من البنك، رغم أنني في الحقيقة لم أكن بحاجة إلى ذلك، وها أنا ذا حكمت على نفسي بالفشل وأنا في مستهل حياتي العملية، وذلك بطريقتي السيئة في التعامل مع المال". ولفاطمة الشهري تجربة مماثلة، حيث تقول "أذكر أنني في أول راتب صرف لي عمدت إلى شراء أشياء لم أكن بحاجة لها، وسرت على هذا المنوال سنين طويلة، ولم أكن لأصحو من غفلتي وطريقتي الخاطئة، حتى أفقت على زميلتي منى وهي تخبرني بأنها أجادت فن التعامل مع المال، حتى أصبحت الآن تمتلك مجمعا تجاريا". وتابعت الشهري: "عندما سمعت كلامها صحوت من الغفلة، ولكن بعد فوات الأوان، فالقروض البنكية تراكمت علي"، مشيرة إلى أهمية التعامل بحذر مع المال. ولم يكن أول راتب مقتصرا على الموظفين فقط، فها هو الطفل فواز الرويلي، الذي لم يتجاوز الثامنة من العمر قد علمته والدته الادخار، تقول أم فواز: "منذ البداية حرصت على توعية طفلي بأهمية الادخار، وبدأ في تنفيذ نصائحي، وراح يجمع بقية الريالات التي لا يحتاج لصرفها في المدرسة في حصالته، حتى عندما نخرج للسوق أجده مختلفا عن بقية أخوته، فلا يفضل شراء ما لا يلزمه، ويأخذ المال المخصص له ويضعه في الحصالة الخاصة به". من جانبها أكدت أخصائية الاقتصاد حياة الكفاوين أن "أول راتب للموظف يحدد طريقة تعامله المستقبلي مع المال، فالراتب الأول إنما هو أداة من أدوات التعليم الاقتصادية والاستهلاكية، وتكمن أهميته في دوره في تحقيق الذات، والشعور بالقدرة على التكسب، وتحقيق الإشباع الاقتصادي، كون حاجات المرء الأساسية تتحقق من خلاله". وأكدت "ضرورة الاقتصاد في الإنفاق واكتساب مهارة الشراء الذكي، ويعني أن يشتري الموظف ما يحتاجه المرء فقط، وعدم الوقوع في فخ التسوق، لأنه إذا بدأ بالإسراف فسيعتاد على تلك الطريقة في التعامل مع رواتبه اللاحقة". وتابعت الكفاوين قائلة: إن "الادخار أسلوب اقتصادي ناجح يساعد المرء في تكوين نفسه وتحقيق أحلامه ومشاريعه، وهو عادة اجتماعية اقتصادية لا تكون وليدة اللحظة، بل إن الفرد يتعود عليها بالتربية والتعليم والتوجيه". واختتمت حديثها قائلة: إن "المال يحتاج إلى طريقة خاصة في التعامل معه، تتمثل في الحكمة، وحسن التصرف، وعدم التبذير في الشراء، خاصة المبالغة في شراء الكماليات غير الضرورية والتي تقود الموظف أو الموظفة إلى الوقوع في هاوية الديون، فتؤثر على مستقبل أسر بأكملها، فيكونون عرضة للمفاجآت الاقتصادية، والتي تعتبر من أهم المنغصات على الفرد والمجتمع".