حينما تستبد بك عتمةً ما، تضيق الأنفاس من بين الضلوع، تشهق مرارًا.. كل زفرة هي خناجر تمزق أوتار الروح، كل محاولة تنفس هي ملح تقيئه العينان، كل بحثٍ عن سكينة هو فراغ أجوف يمتص من الوتين حياة. حينما يمسي الفرح معنىً غامضاً وزائرًا نادرًا ورحالًا لا يستقر به طوافه إلى مقام النفس. حينما تظلم ولا تشرق، تُمسي وليس ثمة صباح يُنتظرُ.. فشمس المغيب مساؤها طويلٌ طويل، وفجر الديجور قط لا ينبلج، ليلٌ لا ينسلخ منه نهار، وظلماء لا تبدد عتمتها أشعة قمرية، في الغياب شجون، وفي الحضور مزيد شجون، في الحنين أتراح، وفي الوفاء للذكرى شوق مضنٍ وتوق بارح لأشياء نعلم يقينًا أن ليس إليها عودُ. حينما يحدد الذعر من المجهول كل طرقك، وتختار لك الوحدة أنس رفقتك، ويمضي بك خوفك إلى حافة جرف تهزه الريح.. يقول ذارئ الأنفس كلها: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). تمرَّ بهذه الآية كثيرًا، تقرأها في رمضان، تسمعها من فَيْ الشيخ في خطبة يوم الجمعة، تلاقيها تدور في شريط التسجيل الذي يرفع صوته جارك، تبلغ آذانك مرارًا وتكرارًا، تعرفها، تفهمها، تحفظها عن ظهر قلب.. لكنها لسبب ما لا تتبادر إلى ذهنك قط حينما تدلهم بك هذه "الحينما". في ليلك الساجي ذاك، في عتمتك تلك هنالك أنواء وأنوار ترشدك إلى الطريق، بجوار كهفك المعزول مجرفة الخلاص، في قلب ضياعك بوصلة ترسم معالم الإياب، لكنك وسط انشغالك تطمس ظلمة روحك بمزيد انشغال وتخالها لحظة من تلك اللحظات، سويعة ضعف، دقيقة حداد من حياتك الميتى، وستنتهي ولا خوفُ.. ستعود إليك الضوضاء المحببة مرة أخرى. انصتوا للحظات الضعف تلك، فقد تكون ناقوس يدق خطر البعاد،إشارة لطف خفية تذكرك بكنز الدعاء، همسة من قلبك النابض بالإيمان لم يزل يدعوك أن تفترش بقعة تحت سماء الله الرحبة وتحيي الثلث الأخير من ليلك وتذرف من دمعك وتأتمن الرحمن أسرار وجعك، أسكب عصارة روحك بين يدي المجيب وادع من كل خيرٍ ترغبه لنفسك، وأشفق عليها من طول الهجر فهي لبارئها تشتاق، ولذاك العودُ الجميل تبتهل، أنصتوا للحظات ضعفكم فكلنا يخبئ تحت جناحيه ضلعاً مكسوراً وليس يبرئ كسره خلا خالقه.