العقيدة الزرادشتية تدور حول مفهوم الصراع الدائم بين الخير والشر، ويعتبر الحكام أنفسهم وكلاء الله في الدفاع عن معسكر الخير، ويصفون خصومهم بأنهم في معسكر الشر. كما أن هذه العقيدة تقوم على تبجيل الحاكم بشكل مبالغ فيه، وهو أمر لم يكن معروفًا لدى العرب. ورغم أن التفاعل الثقافي بين الفرس والعرب بعد الإسلام أدى إلى تأثير متبادل بين الحضارتين، إلا أن هذا النوع من التعظيم للحاكم، الذي يجعله نصف إله، لم تستسغه أو تتقبله كثير من الأمم. على خلاف الفرس الذين كما يقول محمد عابد الجابري رحمه الله: «كسرى حاضر بقوة في وجدان كل فارسي، ليس فقط كحاكم، بل كناطق بالحق». وإحدى الركائز العقائدية البارزة في الزرادشتية هي الإيمان بالسلالة المقدسة. كان يُنظر إلى الحكام والكهنة باعتبارهم يتمتعون بشرعية دينية مستمدة من نسبهم، يجعلهم يملكون هالة إلهية تمنح الشخص المختار سلطة مقدسة مثل سلاله الكايانيان «Kayanian dynasty». والحاكم ليس مجرد زعيم سياسي، بل هو ظل الإله على الأرض، وامتداد للسلطة الإلهية. ومن هذا المنطلق، كان يُنظر إلى أي تمرد على الحكام أو الكهنة على أنه تمرد على النظام الإلهي نفسه، مما عزز فكرة الطاعة المطلقة للنظام الديني والسياسي. وقد لعب الكهنة الزرادشتيون دور الوسيط بين الإنسان والإله، ولم يكن الكهنوت مجرد مؤسسة دينية، بل كان قوة سياسية واقتصادية تتحكم في تفاصيل حياة الأتباع، وتفسر التعاليم الدينية وفق ما يتناسب مع السلطة القائمة. كان للكهنة الحق الحصري في تفسير النصوص المقدسة، وإدارة المعابد، واستلام الأموال التي يحثون الأتباع لدفعها والتي تجعل الكهنة يملكون الثروات برغم أنهم طبقه لا تكسب رزقها بأي طريقة أخرى، وهذه الأموال تدفع كواجب ديني يضمن استمرار الطقوس الدينية، وصيانة المعابد المقدسة. أما في ما يتعلق ب الزواج في الزرادشتية، فإن أحد أنواع الزواج عندهم هو الزواج المؤقت والذي يُسمى «نيروزد» (Nirūzad)، وهو زواج بعقد محدد المدة، حيث يتفق الطرفان على مدة الزواج مسبقًا، وبعد انتهائها، ينفصلان بشكل تلقائي دون الحاجة إلى إجراءات الطلاق التقليدية. وقد ذكر هذا أنواع وشروطه أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة كوبنهاجن، المستشرق «أرثر كريستنسن» في كتابه «إيران في عهد الساسانيين» وأرثر كريستنسن يعد من أكبر المختصين في تاريخ إيران قبل الإسلام. وهناك عدة مصادر أخرى توثق هذا النوع من الزواج، أما زيارة الأماكن المقدسة كانت جزءًا أساسيًا من العقيدة الزرادشتية، حيث كان يُنظر إلى بعض المعابد والنقاط الجغرافية على أنها مواقع ذات طاقة روحية خاصة. من أهم هذه الأماكن معابد النار (Atash Behram)، حيث كان يُحافظ على نار مقدسة يُعتقد أنها تُجسد النقاء الإلهي. وكان الزرادشتيون يقومون برحلات حج إلى تلك المواقع، طلبًا للبركة والتطهير الروحي، وتوجد أيضًا مزارات مخصصة لبعض الشخصيات الدينية أو الملوك المقدسين، حيث يتجمع الأتباع لإقامة الطقوس وطلب الحماية والبركة. وكما أشرنا في المقال السابق عن مواكب العزاء والبكاء الجماعي السنوي على فاجعة الأمير سياوش siyâvash هذه لمحات موجزة عن الأساطير و المعتقدات الزرادشتية للفت نظر المهتمين من الباحثين وفتح شهيتهم لاكتشاف أسرار مدفونة في تاريخ هذه الديانة لعل كشف هذه الأسرار القديمة يضيء الحاضر عند من «ألقى السمع وهو شهيد».