عطاءاللحظات، تناغم الألوان ،ثراء الأفكار ، دهشة الإبداع جميعها تتباهى منقادة في حضرة مُصَدِر البهجة ورائد الريشةالفنان التشكيلي عبدالله شاهر عسيري. فنان مثقف ،وقف منذ نعومة أظفاره على أسرار الحُسن ،وعقد صداقة مع مكامن البهاء ومحطات الإبهار، وصروح التنمية في بلادنا ، ففاضت أعماله بلاغة وملاحة تشكيلية. عاش فترة من الزمن في مرابع الفن ،والتقى وعمل مع أساتذة كبار في شارع الرشيد ببغداد والحميدية وباب توما في دمشق وتاثر أسلوبه من أماكن تعزف أنغام الطبيعة ، وتنهل من شلالات المهارة والبراعة وكان شاهد عيان على إبداعات فنية دخلت التاريخ من أوسع أبوابه. يُعَرف الشاعر الأديب إبراهيم طالع الألمعي في كتابه " الموت إلى الداخل" المبدع بأنه انشطار من زمنه ، وفوتوغراف لمفهومه الزمني والمكاني" وأضاف:"الفن عموماً شعراً أو نثراً وتشكيلاً ونحتاً واستعراضا هو ممارسة الحياة." ومن يتابع أعمال الفنان عبدالله شاهر في معارضه القديمة والحديثة يشعر أنه يقرأ قصائد شعرية عذبة بحورها الوفاء للوطن ، الفكر الراقي ، رائحة الطين ، عبير التراث ، وشوشة الغمام ،ركض الغيول في الوديان. ولاتكاد تخلوا لوحاته الفنية من اللون الأحمر الذي يحمل في دلالاته العاطفة والثقة من أجل خلق تفاعل مثمر. يقول الكاتب عبدالعزيز القطان في كتابه"عرفت الله بالجمال": اللوحة الفنية هي تَجَلي مادي لفكر ومشاعر الرسام ، ونستطيع استشعار طاقة اللوحة من خلال تأملها بالبصر والانتباه، فالورود سطور تغرد منها العصافير تراتيلها". يصنع الفنان شاهر له كل يوم من أيام صيف أبها المبهج مرسما بين أحضان الطبيعة ،رايته وقد طوقته شمس الأصيل ، منصتاً لمعزوفة ذُرى الجبال وحكايات القُرى وانعكاس الضوء على قطرات المطر وتغريدات رف طيور مهاجرة لتتفاعل تلك المشاهد في روحه وريشته وتُثمر أعمالاً ثرية بكل مقاييس البوح الإنساني. وفي مرحلة من محطاته الفنية نجح في تجربة الرسم بالقهوة متاثراً من أستاذه الفنان العراقي الدكتور سعد المراياني ، وهو فن لايُتقنه إلا القليل من الفنانين. وقبل أيام احتفت منطقة عسير بافتتاح معرضه الثامن "إخضرار" بمجمع البلدية وسط أبها والذي ضم 35 عملاً تمثل نظرة عبر اللوحة باسلوبه الخاص عن جماليات عسير ،تراثها وإنسانها. وهو إمتداد لمعارض كثيرة في الداخل والخارج. ومن القصص الطريفة التي يُكشف عنها لأول مرة وتعكس عبقرية الفنان شاهر حين أُرسلت له دعوة للمشاركة بمعرض دولي في القاهرة، وفي المطار رفضوا شحن العمل الذي اصطحبه معه بسبب طول وعرض اللوحة مما اضطره للسفر بدونها ،وفور وصوله اشترى لوحة خام وفُرش وألوان وأعاد من ذاكرته المتقدة رسم اللوحة خلال عشر ساعات وبأدق تفاصيلها ليشارك بها في افتتاح المعرض وتُحقق بتوفيق الله النجاح ، وتلفت انتباه المشاركين والجمهور.