الصديق الذي تبني معه رابطة قوية، وعهد قلبي، وتقارب روحي، ربما يكون أقرب من إخوانك وأهلك. فالصديق هو الأمان الذي يأوي إليه قلب صديقه، فمن يملك الأصدقاء يملك الكثير من الأشياء التي لا تشتريها الأموال، خصوصًا إن كانت الصداقة حقيقية مبنية على أساس الوفاء والإخلاص والحب الصافي، حتى وإن بعدت المسافة بين الصديقين، لأنَّ الصديق يحمل إخلاصه لصديقه أينما ذهب، ويظلّ وفيًا له دومًا. الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا يستطيع أن يعيش منعزلا عن الآخرين، فهو في حاجة إليهم كما أنهم في حاجة إليه... وقد قيل: "جزى الله الشدائد كل خير، فبها عرفت عدوى من صديقي"، أي أن الصداقة الحقيقية لا تظهر إلا في أوقات الشدة، وعندما يتعرض الإنسان لموقف صعب؛ كفشل في مشروع، أو خسارة في تجارة، أو مرض عضال، أو صدام مع أقوياء، فها هنا لا يدخر الصديق وسعا أو جهدا في أن يضحى بوقته أو ماله، أو حتى بنفسه من أجل إنقاذ صديقه.. أما الصداقة الزائفة- وما أكثرها- فتختفى عند أول منعطف.. وإذا كانت الصداقة الحقيقية تكلف أصحابها الكثير، فأصحاب الصداقة الزائفة ليسوا على استعداد لأن يتكلفوا شيئا.. الصديق الحقيقي يحفظ سرك ولا يهتك سترك، مهما كانت الظروف.. أما الصديق الزائف فقد تكون صداقته للتعرف على خصوصياتك وأسرارك ليذيعها على الملأ. وغالبا يكون هناك أصدقاء لكل مرحلة من العمر، وقد يستمر أصدقاء الطفولة والصبا إلى مراحل متقدمة من العمر.. لكن هذه الحالة الأخيرة قليلة، خاصة أن ظروف الحياة، من عمل وزواج وأعباء، كثيرا ما تباعد بين الإخلاء. وقد جاء في الحديث: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".. وهو قول سديد.. لذا جاء في الحديث: "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".. وفي هذا يقول المتنبى: "وشبه الشيء منجذب إليه.. وأشبهنا بدنيانا الطغام". والخليل والخل هو الصديق الوفي، وهو يمثل عملة نادرة في هذا الزمان.. وقد قيل: "إن زاد مالى فكل الناس خلانى.. وإن قل مالى فلا خل يصاحبنى".. وقديمًا قالوا: الرفيق قبل الطريق.. والمعنى أن الإنسان خلال سعيه في الحياة لا بد له من صديق، يحفظ سره ويصون وده، يعينه ويشد من أزره ويستشيره ويتبادل معه وجهات النظر في أي قضية تعن له.. فالحياة لا تخلو من صعاب وعوائق ومشكلات، ومن الصعب على الإنسان أن يواجهها بمفرده.. ومن الملاحظ أن الله تعالى، ما كان ليترك رسوله (صلى الله عليه وسلم) ليهاجر بمفرده، فكفار قريش كانوا يتربصون به ليقتلوه.. أنجاه الله من بين أيديهم عندما تحلقوا حول بيته.. وأنجاه بعد أن وصلوا إلى غار ثور الذي اختبأ فيه وصاحبه، وكادوا أن يكتشفوا وجوده.. وأنجاه من سراقة الذي كان يلهث خلفه للإمساك به، أكثر من مرة.. ولأهميتها الكبرى، كانت البداية في الصحبة الجليلة والنبيلة، وما أجلها وأعظمها.. صحبة الصديق أبي بكر للحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم). وللصديق حقوقٌ يجب على الصديق صونها كي يكون قد أدى حق الصداقة، فمن حقوق الصديق على صديقه أن يحفظ غيبته أمام الناس، وأن يُرشده إلى الخير دومًا، وأن يكون معينًا له في كل وقت، وأن يكون له مثل مظلةٍ تقيه حر الشمس وشدة المطر، فالصديق الحقيقي يُحدث علامةً فارقة في حياة صديقه، ولا يتخلى عنه أبدًا مهما حصل من ظروف.