يعتبر موسم الحج اجتماع عالمي للبشرية المسلمة جمعاء،حيث ينعقد الزمان والمكان في مساحة محددة تُؤدّى الفرائض والشرائع التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده. في حين يتميز ذلك الاجتماع بالتواصل والاتصال والتفاعل ونبذ الفوقية الطبقية، وإحياء لدين الله تعالى، ومن خلاله تخلق سمات العلاقات الاجتماعية، وتزداد قوة الروابط والانتماء والاعتراف بالآخر. ويتأتّى على الجميع أن يعزز الروابط والمواثيق الاجتماعية لتتم الممارسات الاجتماعية، وتقتضي الحاجة لتبني التقدير والتضامن والتعاطف الإنساني كل ذلك تحت مظلة " سلوك الحاج الاجتماعي". لذا تحرص النظريات الاجتماعية أن تكون حاضرة في سلوكيات وأفعال الحاج مع الآخرين خصوصاَ في إطار ( نظرية الاعتراف) إحدى النظريات السوسيولوجية المعاصرة والتي تأسست من قبل ثلة من العلماءأمثال: بول ريكور وتشارلز تايلور ونانسي فريزر وعلى رأس هؤلاء العالم الألماني إكسيل هونيث حيث بفضله دعّمت النظرية بثلاثة أركان أساسية يترتب عليها توظيف المفاهيم والوقائع والظواهر الاجتماعية من خلال التعايش السلمي في موسم الحج. حيث تسعى النظرية الاتقاء بالهوية الدينية، والمتمثلة بالدين الإسلامي وخصوصا هذا الجانب قد أعطاها القوة والصلابة في إبراز النظرية بشكل لائق وتمكين المفاهيم وتعزيز الفعل الإنساني ( الاعتراف) كفعل وجودي له ثمراته ودلالاته في موسم الحج. وتتجلى هذه الأركان فيما يلي: 1) الحب ويزدهر هذا النشاط العاطفي والممزوجة بالرحمة والتآلف وعميق الرضا بين عدة أطراف متفاعلة كممارسة الحجيج فيما بينهم. بأداء الطقوس التعبدية في جو من الارتياح النفسي وتقدير الذات من جهة، ومن جهة أخرى بالجهود المبذولة من قبل القائمين على التنظيم والتنسيق وتكريس الجهود لإنجاز المهام على أكمل وجه حيث الحاجة لتوفير الأجواء الآمنة. 2) القانون من الصور الجمالية في الحج حيث اجتماع الزمان والمكان أشبه ما يكون في حلقة تنظيمية. فالجميع لا يمكنه تجاوز الحدود وفي الوقت ذاته يمارس طقوسه بحرية في إطار ما نص عليه القانون الإلهي. وهذا من أسرار الحج العجيبة. فالوقوف بعرفة والرمي بمزدلفة والطواف والسعي والنحر وغيرها تعتبر من ضمن الأفعال التنظيمية ذات معايير قيمية، يتناسب النسق التنظيمي مع المحيط الاجتماعي والذي يسمح بحركة الأفراد داخل التنظيم الجمعي. كما شهد القانون بتطبيق وحزم إصدار الرخص الموثوقة وإطلاق حملة "لا حج بلا تصريح" لأجل الحفاظ على سير العمليات في أمن وطمأنينة. 3) التضامن الاجتماعي، يقول هربرت سبنسر: "من التعاون الذي يعتمد على الروية والتفكير هو التعاون الذي يوجب وجود بعض الغايات التي تعود بالنفع العام ويعترف بها الجميع"، فالتقدير والعدالة الاجتماعية واحترام تعدد الثقافات والمذاهب واختلاف الأجناس العرقية دون تمييز أو تهميش أو احتقار، قد ظهرت بوضوح من خلال جهود القائمين على موسم الحج والمتمثلة بالوزارات الحكومية والمعنية بإدارة الحج مثل: وزارة الحج والصحة والمواصلات والاتصالات وغيرها. ما أدّى بالجميع دون استثناء إلى ترسيخ الاستقرار الاجتماعي وانتظام الحركة الاجتماعية، فبها تتجلى هذه الظواهر يتحقيقها الشرط الإنساني التعددي والانسجام بين الجماعات.