لم يعد الشعر ديوان العرب الذي يفخربه، وتحول الى دابة للشعراء العرب يركبها من شاء وكيفما شاء وأنى شاء. زعموا أن الشعر العربي الحديث يعاني وهناً، ولكن ذلك الزعم مجامل منافق، يتجنب عمداً السير في الطريق المؤدي الى أرض الحقيقة حيث النبأ اليقين عما حل بالشعر. وهو نبأ فظ قاس لا يسر. لقد مات الشعر مقتولاً، والقتلة هم الشعراء، وما قصائدهم سوى قبور دفن فيها الشعر بعد مهرجان تقطيع وتمزيق. لم يعد الشعر ديوان العرب الذي يفخر به، وتحول إلى دابة للشعراء العرب يركبها من شاء وكيفما شاء وأنى شاء، فما ينشر على أنه الشعر الخالص إذا قورن بمقال عن زراعة البصل والثوم، فاز الثاني بجائزة الشعر كأنه الياذة هوميروس. بل إن معظم ما ينشر من شعر حديث لا يرقى مستواه الفني إلى مستوى تعليق سياسي يكتبه صحفي يسيطر على ما لديه من أدغال كلام. لقد أصبح الشعر بائساً فقيراً لا مملكة له ولا جمهورية، وتدهور وأسف حتى أغرى الصغار من فاقدي الموهبة بالتجرؤ عليه وانتهاك مقدساته. وبعيداً عن عمليات غسل الدماغ التي يمارسها بإتقان عدد من الشعراء والنقاد بغية الإقناع بأن المكنسة شجيرة ورد، والجراد سرب يمام ... بعيداً عن الغوغائية وعبادة الأوثان .. وبعد الاحتكام إلى القلب والعقل، يمكن القول بلا وجل إن الركاكة والسماجة والادعاء والخواء هي صفات ثابتة لمعظم الشعراء الحديثين، بل إن تفاهة أشعارهم كلما ازدادت ازدادوا كبرا وصلفاً. وزهوا بما جنته أيديهم. أما النقد... ذلك المسؤول عن تأديب المسيء والمتطاول والمتهاون، فهو خجول خافت الصوت أو نائم أو مجنون يصيح مع المجانين، ولعل أسوأ وقاحة هي تلك المتجلية حالياً في تنافس الشعراء على البرهنة على من كان رائداً ومؤثراً في حركة الشعر العربي الحديث. وهو تنافس هزلي لا يخلو من حمق العنيد، فالتنافس يكون على مجد يمنح شرفاً لا على ذاك الذي يهدم قلاعاً ويبني مكانها أكواخاً من قش تدنو منه النار. وكلما جد المتعالمون في البحث عن دواء يشفي الشعر من أمراضه، جاء، بحثهم كالسماد وكالمطر ماذا سيحدث اذا ألغي الشعر من بين الأجناس الأدبية؟ هل سيخسر الأدب أم سيربح؟ سيخسر الأدب ويربح في آن واحد، ولكن ربحه سيفوق خسارته. سيخسر الأدب إبداع شعراء قليلي العدد، وسيريح النجاة من غلاظة وتفاهة مئات الشعراء سيظلم نفر من الشعراء، ولكن القراء سيتخلصون من كتائب من الشعراء الظالمين. ولو كان الشعر العربي يملك عصا لكانت رؤوس الشعراء مشدوخة دائما. 1988* * شاعر وصحفي لبناني «1937 - 2014».