لا يوجد أبشع من ألا نفهم بشكل صحيح، لأن هذا يوقعنا في دوامة غير منتهية من التبرير، وشرح الذات مرة واثنتين وثلاثا وعشرا. وإذا كان الطرف الآخر جاهلا أو لا يريد الفهم أو فهمنا بشكل خاطئ، يقع علينا ظلم كبير ومن ذا الذي يرضى على نفسه وحتى على الآخرين الظلم! سوء الفهم قد تكون له أسباب كثيرة، فيدخل فيها تفسير نبرة الصوت أو لغة الجسد، بحيث قد تُفسر نبرة صوت ساخرة بأنها علامة على الغضب، أو قد يُفسر تجنب التواصل البصري على أنه قلة اهتمام. كما أن الافتراضات الخاطئة لها دور مهم في سوء الفهم، لأنه قد نفترض نية سيئة من الآخرين دون دليل. أو قد نفترض أنهم يفكرون بالطريقة التي نفكر بها. إضافة إلى الاختلافات الثقافية وتباينات القيم التي قد تؤدي إلى سوء فهم سلوكيات الآخرين، وعدم الاستماع الفعال، لأننا قد لا نستمع بعناية لما يقوله الآخرون، ما يؤدي إلى تفويت معلومات مهمة. وبهذا فإن أغلب أنواع سوء الفهم قد تبدو واضحة ومفهومة عند الكثيرين، رغم أنها دائما بوابة للظلم. لكن بعد تأملي مؤخرا في زوايا مجالسنا وبيئة أعمالنا، استوعبت وأدركت نوعا مختلفا من سوء الفهم الذي لا يؤدي فقط إلى الظلم، بل يؤدي إلى التهميش والسخرية والإقصائية والتقليل من أهمية الأشخاص والكيانات. وهي عدم فهم أدوار الأشخاص ومهامهم الحقيقية، سواء في الحياة بشكل عام أو في بيئة الأعمال والمجتمع الوظيفي. جمل وعبارات كثيرة سمعناها مرارا وسنسمعها، خدشت مسامعنا على مدى سنين طويلة مثل (أنت مالك أي دور في الحياة) (أنت وظيفتك أصغر موظف ممكن يسويها) (تخصصك تخصص بنات)، وغيرها الكثير من الجمل التي تنسف جهود أصحابها واهتماماتهم. ليس من المنطق أن يشرح الموظف الذي يعمل خلف الكواليس كل مرة ما هو دوره، وماذا يعمل وما هي مهامه؟ لكي نعرف أهميته ونبدأ بتقديره وتقدير عمله. لأننا بهذه الممارسات سنصنع من هؤلاء المهمشين أشخاصا لا يشبهون أنفسهم، وسيبدؤون بالتصنع والتزييف والتظاهر السطحي، فقط لكي يأخذوا أبسط حقوقهم. وهو تقدير واحترام ما يقومون به، ثم في مرحلة لاحقة فهم وإدراك أدوارهم. كلنا نعمل في منظومة متكاملة، كل منا يكمل البعض ويحفزه ويحتاجه. أدوارنا ومهامنا جميعها مهمة، لأن العجلة لا يمكن أن تمشي وحدها، والفراشة لا يمكن أن تؤثر وأن تتم نظريتها الشهيرة بلا جناحين وباختصار... لا تفهم دوري ومن أنا؟ لا بأس بسيطة لا تتكلم ولا تقيم.