"خلاف معها مرّ عليه عام كامل لم يكن كفيلا بأن تنسيها إياه الأيام، أصبح عائقا أمام الأفكار التي أطرحها على طاولة الحوار في العمل، فأصبحت تقفز على الفكرة لتتجاوزها إلى شخصيتي غير المفضلة لديها، فلطالما وصفتني بالمتذمرة، لذا فإن الأفكار والرؤى التي أطرحها تكون مرفوضة منذ بدايتها إلى أن أدى ذلك إلى حوارات عقيمة بيننا على حساب العمل والأفكار التي أعرضها وتعجب بها جميع الزميلات إلا هي صاحبة القرار". لم يكن ذلك السيناريو بداية لقصة من خيال كاتب قصصي، بل كان عبارات أطلقتها المعلمة (س.م) المسلّم، وهي معلمة في إحدى المدارس الثانوية، تصف بها رفض مديرة المدرسة التي تعمل بها لكل ما تطرحه جراء موقف حدث بينهما منذ عام حول توزيع الحصص، ذلك الموقف جعل منها ترفض أي رأي أو فكرة تعرضها المعلمة حتى وإن كانت صائبة وإن كانت في مصلحة العمل. هذا السلوك يطلق عليه الخلط وعدم التمييز بين الفكرة وصاحبها، وهو ما يعرف علميا ب"الشخصنة"، وهو سلوك ذو آثار سلبية كثيرة، وتقول عنه المدربة المعتمدة للحوار من مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني منى الضويحي: الشخصنة هي القفز على الآراء والأفكار إلى الشخصية التي تطرحها، مع عدم التوجه مباشرة إلى الفكرة أو الموضوع المطروح للنقاش، بل تتجاوز ذلك إلى الشخصية، ومن ثم يحكم على تلك الأفكار أو الأحداث من خلال الشخص المنسوبة إليه، لا من خلال مضمون الطرح وقيمة الفكرة أو الرأي. وعن الأنواع المختلفة للشخصنة قالت: هناك أنواع للشخصنة فمنها شخصنة التعظيم، وشخصنة التقزيم أو التصغير، أما شخصنة التعظيم فهي غالبا ما تكون صادرة نتيجة التعظيم والثناء لشخصية ما، فتقبل جميع أفكارها ولا يكون القبول ثمرة للفكرة أو المحتوى، بل تكون نتيجة التأثر بالشخصية، فيقبل رأيها حتى وإن كان خاطئا. وعن شخصنة التقزيم قالت هي عكس ما سبق فترفض الفكرة وتغتال بمجرد ظهورها، لأنها صادرة من شخص لا أهمية له من قبل المشخصن، وذكرت الضويحي أنه يوجد نوع آخر من الشخصنة وهو مقبول نوعا ما وهذا النوع شخصنة التقدير، كأن تكون الفكرة أو الرأي من لدن شخص مختص بالثقة كرأي الطبيب مثلا أو الأخصائي النفسي أو الأسري، فيكون محلا لشخصنة التقدير حتى وإن كان الرأي المطروح جانب الصواب، ولكن القوة في قبول الرأي نجمت من قوة صاحبها أو مكانته العلمية. وحذرت الضويحي من تأثير الشخصنة على جميع فئات المجتمع، حيث قالت: للشخصنة تأثير سلبي على جميع فئات المجتمع، فما إن تظهر وتنتشر حتى تغيب بظهورها كل مبادئ الحوار الحضاري، وبذلك تضيع في متاهاتها القيم والموضوعية، فيصبح الحكم على الآراء مرتبطا بشخصية صاحب الفكرة، فيبتعد الإنسان عن الموضوعية ويصبح أسيرا لهواه وغروره، فيهتم أصحاب العقول الصغيرة وهم المشخصنون بالأشخاص ويتركون الفكرة والموضوع، وهذا يذكرنا بالمثل الصيني القديم الذي يقول: العقول الصغيرة تهتم بالأشخاص، والعقول الكبيرة تهتم بالأفكار.