المسقي بلدة تمنح النفوس الارتواء، وترسم على محيط الأمكنة الإخضرار والنماء، اكتسبت شهرتها من موقعها كإحدى محطات عبور المسافرين وقوافل التجارة على مدى قرون موغلة في التاريخ، وتعني في اللغة الزرع الذي سُقي. بيني وبين هذه البلدة الوادعة قصة ود وحنين، كنت أتردد عليها منذ الطفولة منتصف الثمانينيات الهجرية مع والدي -رحمه الله رحمة واسعة-، الذي جعل زيارة أبناء خاله من أسرة آل فايع وبعض أصدقائه الأوفياء الكرام عادة سنوية. كانت سيارة «الأبلكاش» لمالكها يحيى بن طامسة -رحمه الله- تنقلنا من وسط سوق الثلاثاء بأبها باتجاه المسقي في رحلة جميلة لا تخلو من المتاعب، تستغرق ثلاث ساعات متواصلة. والأبلكاش سيارة دفع رباعي تم تحويلها إلى كبينة مغطاة بالخشب المجلفن تتسع لأربعة عشر راكبًا، بمقاعد متراصة على شكل ما هو موجود اليوم في حافلات النقل، والأجمل في الرحلة أنها تتحول إلى أحاديث منوعة بين الركاب، وما شاهدوه وسمعوه في السوق من أخبار رسمية، ولقاءات مع المتسوقين، ومواقع هطول الأمطار، وحركة الأسواق، والحكايات الشعبية. وقد بقيت المسقي، وستبقى بحول الله، بلدة وفية بوفاء أهلها الطيبين، غنية بتراثها الأصيل، وأثار الراحلين على دروبها العتيقة ومسجدها التاريخي، والشداخات التي تعكس الوعي الحضاري في كيفية التواصل بأمان بين البيوت المتشحة بجمال العمارة، وذكاء التخطيط، تطوقها ما يقارب من سبعين قصبة وبرجًا. ويسترعي انتباه الزوار للمسقي إبداع الإنسان في اختيار مواقع المزارع، وبناء جدرانها ومساقي المياه وانحداراتها، ومعرفة أوقات الزراعة ومواسم الحصاد، واحترام البيئةالطبيعية وأماكن الر عي، وعدم الإضرار بها. وبفضل الله ثم باهتمام حكومتنا الرشيدة ومتابعة أمير منطقة عسيرالأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز، أضحت المسقي اليوم نقطة جذب سياحية مميزة من خلال تظافر الجهود وتنفيذ برامج سياحية، وتعريف الزوار بالبلدة وتاريخها المضيئ والعادات والتقاليد. وفي صيف العام الماصي شاهدت جموعًا من المصطافين على جوانب الطرق المؤدية إلى المسقي لشراء ما تعرضه الأسر المنتجة من المأكولات الشعبية، الخبز البلدي، النباتات العطرية، الصناعات التقليدية والفواكه الصيفية، وهذا يعكس نجاح البلدة في لفت الانتباه لبريق المكان،ووهج الزمان بتنفيذ عروض شعبية، ثقافية، سياحية راقية، مكللة بكرم المشاعر الدافئة، وحفاوة الاستقبال، وحُسن التنظيم.