إصابة ليفاندوفسكي في «ذات الرأسين» تصدم برشلونة    القيادة تهنئ رئيس الجابون الجديد بريس أوليغي نغيما    انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية    الأردن يعلن اكتشاف أول "نقش أثري فرعوني" يعود للملك رمسيس الثالث    الإسلامية تُشارك في معرض الرباط    الرائد يتفوق على العروبة برباعية    صدور موافقة خادم الحرمين على منح ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثالثة ل 304 مواطنين ومواطنات    الحمدي ل"الرياض": "الجينات" تقودنا نحو تغذية شخصية دقيقة    حرس الحدود بجازان يحبط تهريب (260) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    تعزيز قطاع الحدائق بحائل    ندوة البركة تنهي جلساتها    100 برنامج إثرائي ب 26 مدينة    هلال المدينة يكرم المتطوعين    90 ألف شجرة حمضيات    الفضلي يدشن غدًا النسخة السادسة من أسبوع البيئة    مدير فريق مرسيدس ينفي وجود محادثات لانضمام فيرستابن    أوكرانيا: لا يمكن الوثوق ببوتين وملتزمون بهدنة الثلاثين يوما    البيت الأبيض ينشر "أدلة" على نشأة كورونا في مختبر بالصين    نواف بوشل: الخسارة أمام القادسية لم تكن منتظرة    انطلاق أعمال مؤتمر طب الطوارئ الأول في القصيم    350 لاعبا يتنافسون في الأبطال    "المنافذ الجمركية" تسجل 1332 حالة ضبط خلال أسبوع    استشهاد 18 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    ضبط (20688) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    السعودية تنهى مشاركتها في العاب القوى الآسيوية ب"5″ ميداليات    الجيش الأمريكي يقرر تقليص عدد قواته في سوريا إلى أقل من ألف    يايسله يتغنى في الأهلي بعد اكتساح الفيحاء    القصيم تحتفل باليوم العالمي للتراث    المملكة تدشّن مشاركتها في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالمغرب 2025    «سلمان للإغاثة» يختتم الأعمال المتعلقة بتوزيع الأبقار على أمهات الأيتام والأرامل بسوريا    قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل عدداً من الفعاليات    وزارة التعليم تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية القيادات الكشفية    القائد الكشفي محمد بن سعد العمري: مسيرة عطاء وقيادة ملهمة    محافظ الطائف يستقبل مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    ٢٤ ألف زائر وأكثر من 4 آلاف اتفاقية في منتدى العمرة    صيد سمك الحريد بجزر فرسان .. موروث شعبي ومناسبة سعيدة يحتفي بها الأهالي منذ مئات السنين    إدارة الأمن السيبراني بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تحصل على شهادة الآيزو    جمعية المودة تدشّن "وحدة سامي الجفالي للتكامل الحسي"    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الثميري في وفاة والدتهم    خطباء المملكة الإسراف في الموائد منكر وكسر لقلوب الفقراء والمساكين    إمام المسجد الحرام: الدنيا دار ابتلاء والموت قادم لا محالة فاستعدوا بالعمل الصالح    إمام المسجد النبوي: التوحيد غاية الخلق وروح الإسلام وأساس قبول الأعمال    محافظ صامطة يلتقي قادة جمعيات تخصصية لتفعيل مبادرات تنموية تخدم المجتمع    تعاون بناء بين جامعة عفت واتحاد الفنانين العرب    جامعة شقراء تنظم اليوم العالمي للمختبرات الطبية في سوق حليوة التراثي    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آلية عمل الصحوة اليوم: الصحوة بداياتها ومعضلتها في المجتمع
نشر في الوطن يوم 08 - 10 - 2023

هذا هو المقال السابع عشر من مقالات «آلية عمل الصحوة اليوم»، وفيه أشير إلى بدايات الصحوة، مع لمحة موجزة حول المعضلة الدينية في ذهنية المجتمع السعودي، وهي اتخاذ النموذج الصحوي شكلًا ثابتًا للتدين العام، حيث لا يجد أي متدين أمامه إلا هذا النموذج، الذي غيب بقية النماذج بما فيها النموذج السلفي، الذي اتسم به المجتمع السعودي، وأعني السلفي شكلًا وجوهرًا، فالصحوي اعتمد شكل «السلفي» صورةً لتدينه دون جوهر هذا التدين، اتفقت مع هذا الجوهر أو اختلفت.
وتأتي هذه الإشارات في سبيل فهم أدق للنظرية الصحوية، وفهم سبب صمودها واستمرارها، لتفكيكها، وإتاحة فرصة القضاء على شرها.
وحكاية الصحوة بدأت في الستينيات حينما كانت جنينًا في طور التخلق، ثم ولدت في أول السبعينيات سائلة، بلا أي معالم، ومن دون شكل محدد، ولا يعرف لها اسم، يرفضها الجميع بشكل مباشر وصريح، غير أن عودها اشتد سريعًا، وأنضجتها أحداث جاءت تباعًا سراعًا من غير تقدير، لتكون هذه الوليدة رديفًا لأعمال الجماعة الأم، وفي الثمانينيات انطلقت أعمالها وبرامجها بوجه لم يكن معهودًا، معتمدًا على أدبيات التأسيس الثاني للجماعة الإرهابية، الذي صنعه سيد قطب، وكيل حسن الهضيبي في إدارة الجماعة، والذي صادق -أي الأخير- على تلك الأدبيات والأسس الجديدة التربوية والسياسية والقتالية، أثناء وجوده في السجن.
في عام 1971 بدأت مفاوضات صناعة الصحوة لأول مرة على يد الرئيس المصري محمد أنور السادات، بمقترح من اللواء محمد النبوي إسماعيل وزير داخليته وقتها، وهندسة وتنفيذ محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط السابق، ولهذا الأمر تفاصيل كثيرة نذكرها لاحقًا.
الصحوة لم تكن كما زعم منظرو الإسلاموية، من الباحثين في علم الاجتماع الديني والسياسي، بأنها جاءت نتاج عودة إلى الدين بسبب الهزيمة النفسية للعرب بعد نكسة 67، وأن هذه «الصحوة الدينية» اجتاحت العالم الإسلامي برمته، وهذا كلام عار عن الصحة والصواب، فالسادات ومساعدوه أخرجوا شيطان «الصحوة» من القمقم، ولم يستطيعوا إعادته وحبسه مرة أخرى، بالرغم من نصح رئيس الوزراء المصري السابق مصطفى خليل، بعدم مد يد التسامح والسماح للجماعة الإرهابية، الأمر الذي أدرك السادات خطره المحدق متأخرًا، وأقر بذلك في خطابه الأخير في سبتمبر 1981، وقال بوضوح عن الإخوان: (أنا طلعت غلطان، كان لازم خليتهم في مكانهم)، أي السجن.
فالصحوة إذن لم تكن نتيجة لموجة تدينية اجتاحت العرب بسبب الآثار النفسية للنكسة، بل الأمر كل الأمر هو خروج قيادات الجماعة من السجون وأفرادها، وفك طوق الحصار عن أعمالها في البلدان العربية، وإعادتها إلى الحياة مرة أخرى لتمارس عملية الاستقطاب الجماهير والشعبي، والتجنيد التنظيمي عبر استخدام الدين كوسيلة للوصول إلى هذه الغايات.
ويمكن اكتشاف زيف نظرية «الموجة الدينية العالية بعد النكسة»، بدراسة السنوات من 1967، وحتى 1975؛ لقياس مستوى التدين، عبر المصادر الاجتماعية المختلفة والمتنوعة، وعندها ستجد أن تلك الفترة لا يوجد فيها أي تغير ولو طفيف على الحالة الدينية ومستواها في العالم العربي، وستدرك أن التغيير جاء لاحقًا بعد أن أثمرت الجهود الحركية للجماعة الإرهابية، التي أيضًا استثمرت بعض الأحداث لصالحها.
في موسم حج عام 1392، الذي وافق يناير 1973، انتهز الهضيبي فرصة الحج فعقد أول اجتماع موسع لجماعته في مكة المكرمة، وكان هذا الاجتماع هو الأول من نوعه منذ 1954، وفيه نظم الهضيبي العمل الحركي في السعودية عبر ثلاث لجان: لجنة جدة، ولجنة الرياض، ولجنة الدمام، وفي دول الخليج: نظم العمل في ثلاث لجان كذلك: لجنة الكويت، ولجنة قطر، ولجنة الإمارات.
القدر لم يمهل الهضيبي طويلًا، فتوفي بعد أشهر من حجته تلك، ولكن بعد أن أطلق العنان لأعمال وبرامج ومشاريع «الصحوة»، التي أخذت اسمها بشكل عرفي بعد سبع سنوات تقريبًا من ذلك التاريخ، من خلال مقالين كتبهما رئيس «لجنة قطر» يوسف القرضاوي، الذي ربما اقتبس الاسم من الدكتور غازي القصيبي، والذي سبقه إلى هذه التسمية بسنتين أو أقل، حيث كان من ضمن مهام القصيبي وقتها إعداد الخطابات الملكية، والتي ورد فيها اسم الصحوة قبل مقالات القرضاوي، وعلى الرغم من أن الرجلين اتفقا في مبنى الكلمة ورسمها، فإنه شتان ما بين مقصديهما، ودلالة المعنى عند كل منهما.
أعود إلى المعضلة الدينية في المجتمع السعودي، التي تركزت -كما أسلفت- بارتباط النموذج الديني في تصوره وشعوره، بالتدين الصحوي؛ الأمر الذي جعل من الصحوة حالة حاضرة، على شكل جذوة وجمرة يمكن إشعالها في أي فرصة مواتية، وهو الأمر الذي يجب ألا نتعامى عنه أبدًا، فإذا أراد الفرد في المجتمع السعودي أن يتدين، ويلجأ إلى الله تعالى، فلا سبيل أمامه إلا النموذج الصحوي، ويكفي أن تأخذ مثالًا واحدًا، على التربية والقولبة والأدلجة المستمرة للمجتمع على يد الصحوة، والتي انفرد كوادرها بالمجتمع لما يربو على الخمسين سنة متصلة عبر منبر الجمعة، لندرك مدى تجذر النموذج الصحوي في المجتمع.
والممض المحزن أنه حينما خبا الخطاب «الصحوي» الإرهابي؛ شغل شواغر محلاته وفراغاته الخطاب «السلفي»، والذي لم تختلف خصائصه عن خصائص الخطاب الصحوي كثيرًا، فبمجرد ما تبتعد به عن المسائل المتعلقة بولي الأمر، ومسائل الجماعات الإسلامية، ستجد نفسك أمام خطاب صحوي مكتمل الأركان، كما أنه خطاب يحارب التكتل والتحزب، وفي الوقت نفسه هو حزب وتكتل يقبل داخله، وينفي عنه من هو منه ومن هو خارجه وفق شروط معينة عرفت عن الصحويين فقط، وكان حريًا بهذا الخطاب حتى يكون حقيقيًا مؤثرًا، لا قشريًا في المجتمع: أن يتولى إرساء قواعد السلم والتسامح والتعايش، وأن يقف مع ولي الأمر والوطن والمجتمع في كل شؤونه، وليس في مسألة واحدة أو مسألتين، مع حفظ أحقيته وفضله بتعريف المجتمع بخطورة الجماعات والحركات الإرهابية.
أخيرًا، الجهود السياسية والأمنية بلغت الغاية القصوى في سبيل مكافحة التطرف الصحوي، ويتبقى الدور المهم، وسبيل الخلاص الأكمل؛ وهو مواجهة المجتمع لهذا الفكر النشاز، فهو وحده القادر على تطهير نفسه من بواعث الصحوة والتطرف وآثارهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.