حققت الفيضانات التي دمرت سدي درنة الساحلية بليبيا التحذيرات التي لطالما أطلقها عدد من الخبراء، حيث أكدوا منذ فترة طويلة أن الفيضانات تشكل خطرا كبيرا على السدين اللذين يستهدفان حماية ما يقرب من 90 ألف شخص في شمال شرق ليبيا. وطالبوا، مرارا وتكرارا، بإجراء صيانة فورية للمبنيين الواقعين على أعلى التل من مدينة درنة، ولكن الحكومات المتعاقبة في الدولة التي تعصف بها الفوضى لم تبد أي رد فعل. وكتب عبدالونيس عاشور، أستاذ الهندسة المدنية، في دراسة نشرت العام الماضي بمجلة جامعة سبها للدراسات البحتة والتطبيقية، أنه «في حالة حدوث فيضان كبير ستكون العواقب وخيمة على سكان الوادي والمدينة». وقبيل عاصفة البحر الأبيض المتوسط، قدمت السلطات أيضا رسائل متناقضة، وفرضوا حظر التجول في درنة ومناطق أخرى في الشرق، ونشرت بلدية درنة بيانات على موقعها الإلكتروني تحث فيها السكان على إخلاء المناطق الساحلية، خوفا من موج البحر. إلى جانب ذلك، قال العديد من السكان إنهم تلقوا رسائل نصية على هواتفهم تحثهم على عدم مغادرة منازلهم. مقتل الآلاف أدى الطوفان إلى مقتل الآلاف في ثوانٍ معدودة، حيث اقتلع المباني السكنية وجرف الطرق والجسور، وتم الإبلاغ عن مقتل أكثر من 11300 شخص، بينهم أجانب، بينما يظل أكثر من 10000 في عداد المفقودين بعد أسبوع من الكارثة، وفقا للهلال الأحمر الليبي والأمم المتحدة. وينتشر الإهمال والفساد في البلد الذي يبلغ عدد سكانه نحو 7 ملايين نسمة. وفي 2022، احتلت ليبيا المرتبة ال171 من أصل 180 دولة على مؤشر الشفافية، الذي أعدته منظمة الشفافية الدولية. صيانة متأخرة قال صالح امهنا، الباحث الجيولوجي بجامعة أجدابيا في ليبيا: «لم تتم صيانة كلا السدين سنوات عديدة، على الرغم من الفيضانات المتكررة التي ضربت المدينة في الماضي. كانا متهالكين». وأوضح المدعي العام الليبي، الصديق الصور، أن السدين تعرضا لأضرار كبيرة بعاصفة قوية ضربت المنطقة في 1986. وبعد أكثر من عقد من الزمان، كشفت دراسة بتكليف من الحكومة الليبية عن تشققات في هيكلهما. وقال، في مؤتمر صحفي بالمدينة المنكوبة، إن النيابة العامة ستحقق في انهيار السدين، فضلا عن تخصيص أموال صيانتهما. وأضاف: «أطمئن المواطنين أن مَن ارتكب خطأ أو إهمالا، فإن النيابة العامة ستتخذ الإجراءات الصارمة حياله، وسترفع ضده دعوى جزائية، وتقدمه للمحاكمة». 2 مليون دولار قال تقرير صادر عن هيئة تدقيق، تديرها الدولة، في 2021 إن السدين لم تتم صيانتهما على الرغم من تخصيص أكثر من مليوني دولار لهذا الغرض في 2012 و2013، ولكن لم تجر أي أعمال في المنطقة. وألقت هيئة التدقيق باللوم على وزارة الأشغال والموارد الطبيعية، لعدم إلغائها عقد الصيانة، وإعطائه الشركة التي ستنفذ أعمال الصيانة المستحقات دون التحقق من التنفيذ. وقد تم التعاقد مع شركة تركية في 2007، لإجراء صيانة السدين، وبناء سد آخر بينهما. وأوضحت شركة Arsel Construction Company Ltd، على موقعها الإلكتروني، أنها أكملت عملها في نوفمبر 2012. وكانت شركة «Arsel» واحدة من عشرات الشركات التركية التي كان لديها مشاريع تزيد قيمتها على 15 مليار دولار في ليبيا قبل انتفاضة 2011. ولم ترد «Arsel» على رسالة بريد إلكتروني تطلب مزيدا من التعليق على السدين، بينما لا يبدو أنه تم بناء سد ثالث على الإطلاق، حسبما أظهرت صور الأقمار الصناعية الحديثة. البنية التحتية سوت الفيضانات درنة بالأرض، بينما يقدّر المسؤولون أن ما يصل إلى ربع المدينة قد تم محوه. ويعكس هذا الدمار شدة العاصفة، ولكنه يعكس أيضا ضعف ليبيا، بعدما عانت بنيتها التحتية إهمالا واسع النطاق على الرغم من ثروة البلاد النفطية. وقال «الصور» إن النيابة ستحقق مع السلطات المحلية في درنة، وكذلك الحكومات السابقة، حيث عيّن محققين من مختلف أنحاء البلاد، لإجراء التحقيق. وأوقفت حكومة شرق ليبيا عمدة مدينة درنة، عبدالمنعم الغيثي، عن العمل على ذمة التحقيق في الكارثة. ولم يرد العمدة على المكالمات الهاتفية التي تطلب التعليق. وأوضح جليل حرشاوي، الخبير في شؤون ليبيا بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن، ومقره لندن، أن التحقيق في الكارثة سيواجه تحديات هائلة، لأنه قد يصل إلى كبار المسؤولين في غرب وشرق ليبيا، لافتا إلى أن مثل هذه التحقيقات «من المحتمل أن تصل إلى أعلى درجات المسؤولية، وهذا يمثل تحديا فريدا». سدا درنة: تم بناء سدي أبو منصور ودرنة من قِبل شركة إنشاءات يوغوسلافية في السبعينيات فوق وادي درنة الذي يقسم المدينة. كان الهدف منهما حماية المدينة من الفيضانات المفاجئة، وهي ظاهرة شائعة في المنطقة. تم استخدام المياه المجمعة خلف السدين في ري المحاصيل باتجاه مجرى النهر. السد الأول «أبو منصور» يقع على بُعد 14 كيلومترا (8.6 أميال) من المدينة. يبلغ ارتفاعه 74 مترا (243 قدما). يمكن أن يحتوي على ما يصل إلى 22.5 مليون متر مكعب من المياه. السد الثاني «سد درنة» معروف أيضا باسم «سد البلاد». أقرب بكثير إلى المدينة. يمكن أن يحتوي على 1.5 مليون متر مكعب من المياه.