العديد من المقالات والبرامج نادت وناقشت تجديد الخطاب المتشدد، وتنقيح المناهج الدراسية من تبعات هذا الخطاب المتطرف، الذي كان يسطر بلغة تتفنن في صناعة الخوف وإشاعة الرهبة وشحن التطرف. وما كان ذلك ينجح لولا استخدام أقوى سلاح صنعه الإنسان لهزيمة نفسه والآخرين إلا بزرع «الخوف»، الخوف من دخول الخلاء بالقدم اليمين، أو ركوب السيارة الجديدة دون تحصين، الخوف من الخروج للأسواق لأنها أماكن تبيت بها الشياطين، الخوف من الضحك لأن الحياة ليست لهوا إنما دار ابتلاء، الخوف من النجاح اتقاء للحسد والعين، والخوف من مشاركة الفرحة مع الآخرين حتى لا تصبح آخر ذكرى، والخوف والحذر من التعامل مع المخالف لأنه عدو غادر ويجب فيه الجهاد، الخوف من التفكير، والنتيجة الإيمان بعدم إعمال العقل حتى أصبح الجهل قيمة مقدسة غير قابلة للنقاش، وغيرها الكثير من هذه الصناعة التي تطورت وتفنن صناعها حتى صدّروها إلى جميع تعاملاتنا اليومية، ما راكم بداخلنا «بؤرة فوبيا» ترسل شحنات من الأفعال، تجعلنا مكبلين للأبد بالهلع والتردد والقلق، كلما أردنا الاندماج والتفاعل أمام المواقف الحياتية. ليس ذلك فحسب فالمصيبة أن ما يحدثه الخوف بالإنسان أنه هو العدو اللدود للعقل الحر وبوجوده يغيب الإبداع، الذي أيضا كان لدعاة التخويف حقب زمنية في معاداته ومحاربته بالتخويف والتحذير من كل منتجاته، سواء بالرسم أو الموسيقى التي أساسها الإبداع. لا أحد ينكر حجم الجهود المبذولة في تخطي كل ذلك سواء بإطلاق برامج الاعتدال والحوار، أو على صعيد إعادة النظر في محتوى المناهج والوعي بأهميتها، ومحاربة بقايا الفكر المتطرف أو المتأثرين به. لكن تبقى المناهج الدراسية خاصة في الطفولة المبكرة تحتاج لمراجعة ما تبقى من الخطاب القديم، وشطب كل ما يدعو للخوف من عقول هذه المرحلة العمرية النقية. نحن اليوم بحاجة إلى تنمية الإبداع وإيجاد محتوى يدعو لتحرير العقل من عقدة الخوف والرهبة، بالموسيقى وبالرسم وبالتعبير وبكل ما يدعو للخلق من العدم، حتى نصنع جيلا يثق بأنه قادر ويستطيع أن يصنع من خياله كلمة ونغمة ولوحة فنية جميلة، تجعله يؤمن بذاته قبل أي شيء.