المقال السابق كان عن التلاعب وأثره وبعض الأمثلة، وهنا تتمة للأمر مع أمثلة، وطرقه وكيفية مواجهته للتقليل منه. لدينا شركة جنرال إلكتريك التي تعد واحدة من أكبر الشركات العالمية، فقد تم التلاعب في النتائج المالية من خلال تضخيم المبيعات نتيجة المعاملات الداخلية بين وحدتين داخليتين في الشركة الأم، وفرضت عليها لجنة البورصة والأوراق المالية الأمريكية غرامة تقارب 750 مليون ريال بسبب الاحتيال، وتبع ذلك انخفاض قيمة السهم بحوالي 75%، ما سبب خسائر فادحة للمساهمين، ولحق ذلك العديد من القضايا والمشاكل القانونية. ومحليًا لدينا شركة كبرى تم التلاعب بالقوائم المالية قبل عقد من الزمن تقريبًا، وكشف التلاعب واتخذت هيئة السوق المالية قرارات رادعة لكشف المتلاعبين، وفرض عقوبات صارمة عليهم وزيادة إجراءات الرقابة للحد أو منع حدوث أمر مشابه في شركات أخرى. وللتلاعب أساليب وطرق مختلفة، وعادة يحاول المجرم أن يسبق المحقق بخطوة حتى لا يتم اكتشافه، ومن طرق التلاعب بالقوائم المالية رسملة النفقات (وهو للأسف خداع ممارس لدى بعض الشركات عالميًا)، ويعني أن تسجل تلك الشركات بعض نفقاتها وتحويلها إلى أصل، مما يخفض النفقات ويزيد الأرباح. ومن الطرق الأخرى إخفاء بعض النفقات وعدم تسجيلها في الميزانية العمومية لتخفيف وتقليل الالتزامات. ومن الطرق أيضًا عدم تسجيل أرباح محققة، لكي يتم الرجوع إليها وتسجيلها عند الحاجة، أو عند انخفاض الأرباح في سنة من السنوات. أيضًا استخدام شركات وهمية وإخفاء هويتها لكي يتم من خلالها التلاعب بالنتائج المالية للشركات، وتحريفها بما يتواءم مع أهداف اللاعبين، وغيرها من الطرق التي تتفتق أذهان المجرمين والمتلاعبين عنها. والطرق تتنوع وتتعدد، فعقلية المجرم تبحث عن طرائق ووسائل جديدة في كل مرة، وقد قال الفاروق عمر بن خطاب رضي الله عنه: «إلى الله أشكو بلادة الأمين ويقظة الخائن». وتتحمل مسؤولية التلاعب بالقوائم المالية أطراف عدة قد تكون داخلية (داخل الشركة) أو خارجية، ومنهم مجلس الإدارة والذي يعد مسؤولًا عن مراجعة وإقرار القوائم المالية للشركة، كذلك تتحمل الإدارة التنفيذية المسؤولية لأنها من يدير تلك المنشأة بشكل يومي، وتشمل الرئيس التنفيذي والمراجع الداخلي والمدير المالي وغيرهم، وخارجيًا المحاسب القانوني، والمفترض أن يكونا عينًا على أداء وسجلات الشركة للجهات الرقابية، وللملاك الآخرين وللمستثمرين. ختامًا.. للأسف عمليات التلاعب ستستمر عالميًا لأن النفس البشرية ضعيفة ولا تقوى على دوام الاستقامة والاعتدال، وسيظل هناك من يحاول اللعب والتلاعب والترويج والتضليل. لذا فإن تشديد الإجراءات وتطويرها ومراجعتها، وتدريب وتطوير قدرات المراجعين، وتشديد القوانين الرادعة، وتكثيف التوعية لموظفي الشركات عن خطورة تلك الأعمال، عليها شخصيًا وعلى الشركة وعلى المجتمع.