تتأثر حياة الإنسان وصحته العاطفية والجسدية والعقلية بعدد من المؤثرات التي تشكل في مجموعها وصفًا لوضعه وحالته هل هو سعيد مستمتع بحياته أم أنه بائس تعيس يندب وجوده، وقد يتمنى مغادرة الحياة في أسوأ الأحوال. وتلعب العلاقات الاجتماعية في الأسرة دورًا مهمًا في تنمية العديد من الجوانب الإيجابية في شخصية الإنسان، حيث تشير العديد من الدراسات إلى أهمية التقارب الاجتماعي في التنظيم الذاتي والدافعية للتعلم والإنجاز، كما ترتبط العلاقات الاجتماعية السلبية مع القلق وصعوبات التعلم وتُفضي إلى الصراع وانخفاض جودة الحياة والمشاركة الاجتماعية السلبية. ومن هنا فلا بد من الاهتمام بعدد من مؤشرات جودة العلاقات الأسرية التي تُعزز الثقة بالنفس، وتوجه الإنسان للانطلاق نحو الحياة بثبات وعزيمة، وتقوي القدرة على مواجهة المشكلات، ومن أهم هذه المؤشرات في العلاقات الاجتماعية الأسرية القرب الشخصي المتبادل بين أفراد الأسرة ويُقصد به التقارب والمشاركة في الأفكار، والاهتمام بالمشاعر، والمشاركة في الهوايات ووجود أنشطة مشتركة بين أعضاء الأسرة، وعلى النقيض من ذلك تكمن العديد من المشكلات التي تُسمم القرب الشخصي، ومنها الانفصال التقني بين الأجيال الشابة والأجيال المتقدمة في السن، حيث يعاني الكثير من الأبناء من هذه المشكلة بسبب الأمية التقنية الاختيارية عند الكثير من الآباء، مما يضعف العلاقة بينهم وبين أبنائهم، وتغيب المصطلحات بسبب عدم معرفة الآباء بها أو عدم اهتمامهم بها، والعذر هو الانشغال، أو النظرة الدونية للجوانب التقنية الحديثة. كما أن من أهم مؤشرات جودة العلاقات الأسرية الضبط الدافئ الذي يُقصد به استخدام الوالدين لأساليب التأديب وتعديل السلوك السلبي لدى الأبناء بطرق تربوية حميمة تبتعد عن العقاب واللوم والتأنيب المستمر للأبناء عند وقوعهم في أتفه الأخطاء، لأن هذه الأساليب السلبية تغرس في نفوس الأبناء أن الطريقة للتعامل مع الناس هي بنفس طرق تعامل الآباء معهم، فينشأ الشخص وهو يعتقد أن الصراع والعنف هما الطريقة الوحيدة للعيش والتفاعل مع الآخرين، وقد توقع هذه الممارسات الشخص فيما لا يُحمد عقباه، والوصول في كثير من الأحيان إلى ارتكاب الجرائم بسبب النظرة الضيقة والتعود على العنف في الأسرة. ويعتقد الكثير من الآباء أن من مؤشرات جودة العلاقات الأسرية قضاء أغلب الوقت مع الأبناء، وعدم السماح لهم بالاستقلال والحرية خوفًا عليهم مما هو في خارج المنزل، وعدم السماح لهم بالخروج بمفردهم أو تجريب أمور جديدة، وفي كثير من الأحيان يتمادى الآباء في اعتبار الأبناء ملكية خاصة لهم وامتدادًا لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم التي فشلوا في تحقيقها دون احترام لكينونة الأبناء وأفكارهم وطموحاتهم الشخصية، وهم بهذا يعيقون تطورهم ونموهم الشخصي، ويحدون من حريتهم الشخصية وتمايزهم الذاتي، وبهذا يكون هذا المؤشر سلبيًا ويدمر جوانب مهمة لدى الأبناء، حيث ينشأ الابن ضعيفًا لا يقوى على مواجهة المشكلات، وكلما داهمته مشكلة عاد بسرعة لأمه أو أبيه يطلب الحل ولو في أعمق خصوصياته وعلاقاته. نحن بحاجة إلى المزيد من الجهود لإلقاء الضوء على المؤشرات الإيجابية لجودة العلاقات الأسرية، ونشرها في وسائل التواصل، وعبر برامج الإرشاد في المدارس، وفي مراكز الإرشاد الأسري، لينعم الجميع بعلاقات أسرية ناعمة ومريحة ومؤثرة إيجابيًا في حياتنا.