يفتتح الشاعر العربي شوقي بزيع دراسته الصادرة حديثا عن دار مسكلياني في تونس، بالعنوان أعلاه، ويرصد سير المبدعين الخاصة، ويرفع الغطاء عن بئر أسرار حياتهم العاطفية والزوجية، وهذه الأخيرة لم تكن مثالية، كما نظن، بل ظهر الجانب المعتم فيها سنوضحه لاحقا. واللافت في السيرة التحليلية المتكونة من اثنين وثلاثين ثنائيا مبدعا (أوروبي وعربي)، فالأول احتل المساحة الأكبر من الكتاب، بينما الثاني كانت حظوظه قليلة، ولعل هذا يعود بحسب ظني إلى القيود الاجتماعية في شرقنا العربي، التي تطوق المبدع، فلم يبح بسيرته عن نزواته العاطفية وحياته الزوجية، والأمر الآخر هو أن سيرة المبدعين وخصوصيتهم عرفناها من أفواه النساء المبدعات زوجات الكتّاب، اللواتي امتلكن اللغة ومهارة التصريح، فزوجات المبدعين الأوروبين هن أكثر من كتبن سيرتهن ك(آنّا جريجوريفنا) زوج دستوفسكي، (إلسا تريوليه) زوج آرجون و(إلسا مورانته) ألبرتو مورافيا و(إيليني ساميوس) نكيوس كازانتزاكي و(فريدا كاهلو) دييجو و(فيرا تولياكوفا) ناظم حكمت و(سيمون دي بوفوار) سارتر و(وصوفيا أندرييفينا) وتولستوي. هؤلاء النسوة وغيرهن من خلال كتابتهن، وفي الجانب العربي الذي يتمثل بالقلّة؛ يعود إلى أن أغلب المبدعين العرب لم يتزوجوا من وسطهم الإبداعي إلا البعض، وهن وثقن سيرة الشريك، ك(عبلة الرويني) مع أمل دنقل، (ومي المظفر مع رافع الناصري، وأخريات في الحورات ك(رنا قباني) محمود درويش، و(بلقيس الراوي) زوج نزار، و(خالدة سعيد) مع أدونيس، و(مها بيرقدار) زوج يوسف الخال، وآخرين عرب ضاعت سيرهم؛ لأنَّ نسائهم لم يكنَّ من بيت الإبداع، فهنا تكمن أهمية الزوجة المبدعة في جوانب عدة: كتابة سيرتهما، والثاني ووفق ما يراه الشاعر شوقي بزيع المتزوج من شاعرة مبدعة، هادئة الطباع ومتفهّمة كما وصفها فأصيب شِعره بسببها بكدمات من الناحية العاطفية بقصائد الحب، والوله، لكنه وجد ضالته الشعر في تربة التأمّل والحكمة، والحفر الداخلي، وهذا الداعي من تأليف الكتاب أنه كان يبحث عن نظائر وأشباه له في عالم الكتابة والفن. سيرة المبدعين في زواجهم، وعلاقاتهم العاطفية تكشف عن جانب مشرق، وعكسه، فالأول نجده عند (إلسا وآرجون) الشاعر الفرنسي والكاتبة الروسية، حملا مشعل الإبداع والحب، ولم ينطفئ هذا الأخير، وهذا ما نجده في كتابه (مجنون إلسا)، لم تكن عنده جوهر الكينونة والوجود بل كرّس لها شعره وإبداعه وقلبه، فيقول: المرأة ليست مستقبل الرجل فحسب، بل مستقبل الإنسانية والكواكب والأراضي برّمته. بينما نلحظ (آنّا جريجوريفنيا) في سيرتها عن زوجها دستويفسكي، كرّست حياتها في الاعتناء بكتاباته، وأعماله تنقيحا وتبويبا وتهيئة للنشر، ووفرت له المناخ الملائم للكتابة، كما حاولت في سيرتها أن تزيل ما لحق بزوجها من التشويهات في سلوكه وإدمانه على القمار، وما يمرّ به من نوبات الصرع، والألم عند الكتابة، فكانت شريكة في العبقرية والإبداع. بينما ديجو الفنان العالمي زوج الفتاة الشابة فريدا كاهلوا يظهر في سيرته أنه سدد في قلب زوجته المريضة أكثر من لكمة عندما خانها مع أختها الصغرى، كما فعلت هي كذلك مع ليون تروتكسي. وفي المناخ ذاته يتصارع الكاتب الصامت والجمال الصارع، وهما آثر ملير ومارلين مونرو وهذه الفاتنة الجميلة عشقت الكاتب المسرحي الذي حررها من سلطة جسدها، لكن زواجهما لم يدم سوى 10 سنوات، اضطر الزوج بعدها لمغادرة هوليوود، وإلا خسر نفسه بسبب أداء زوجته المفرط في الجرأة في فيلمها (دعنا نمارس الحب). وما أن انتقلنا إلى الجانب العربي حتى تطالعنا أشهر قصة حب بين الشاعر نزار قباني وبلقيس الراوي، فهذه الزرافة العراقية كما وصفها صمدت أمام أمواج معجبات زوجها، فهذا ما يبوح به الشاعر بقصيدة كتبها بعد مرور 10 أعوام على زواجهما (أشهد أن لا امرأة أتقنت اللّعبة إلا أنت/ واحتملت حماقاتي عشرة أعوام كما احتملت/ واصطبرت على جنوني مثلما صبرتِ) فهذه الزوجة الاستثنائية كبحت جماح غيرتها، فنجحت أمام امتحان الغيرة، الذي فشلت فيه زوجته السابقة زهراء؛ لأنَّ الأمر يعود إلى كيمياء الشخصية كما يرى صاحب الكتاب المتفاوتة بين شخص وآخر، وعائلة قباني العصرية، والمفتوحة أبوابها على الحب. يرصد الشاعر بزيع زيجة أخرى وهي بين الشاعر محمود درويش ورنا قباني ابنة أخ الشاعر نزار، الشابة الدمشقية ذات التسعة عشر ربيعا، التي كشفت عن علاقتهما الزوجية بأنها (بركانية وعاصفة)، فصاحب الجدارية عرض عليها الزواج بأول لقاء جمعهما في أمسيته الشعرية في جامعة جورج تاون، وانفصل الزوجان بعد ستة أشهر من الزواج، وهي تشير إلى تبّرمها من التسلط الذكوري عند درويش، وهذا الأخير خصها بأكثر من نص شعري فلماذا هو بخيل مع المرأة واقعيا، لا شعريا؟. في كتاب الحوارات لمحمود درويش جمعها محب جميل قرأتُ علّة الأمر يقول: إنني عاشق فاشل وأناني ووقح، غير قادر على العطاء إلا فنيا، وأستطيع أن أقول إنني لا أحب امرأة ولكنني أحب المرأة. فهذا التناقض في شخصيته جعله زوجا فاشلا في المؤسسة الزوجية، ولعل الأمر الأهم أن يرى هذه المؤسسة تقتل الإبداع، وموقفه السلبي من الإنجاب، والشعر محور حياته الأهم. والأغرب هي سيرة الماغوط وسنية صالح، هذه الشاعرة الرقيقة عانت من الوحشة والعزلة والعنف من زوجها، وهذا ما كشفته أختها الناقدة خالدة سعيد في تقديم أعمال الشاعرة، وعنف الماغوط يصل إلى شعرها في سؤاله المؤنب عند إصدار ديوانها حبر الإعدام (ألا تشعرين بتأنيب الضمير وأنت تكتبين بمعزل عن قضايا أكثر أهمية وإلحاحا من عذاب امرأة غير متآلفة مع بيئتها؟). وربما يسعنا في ختام المقالة أن نجمع بين الشعر والنقد على سرير الحب، المتمثل بالناقدة خالدة سعيد والشاعر أدونيس، فتروي أنها كتبت عن الشاعر نقدا قبل أن تلتقي به، والحب من أول نظرة كان من اللقاء الأول واستمر إلى يومنا. إنَّ صاحب قمصان يوسف لم يكتف بسرد الحياة الخاصة لأشباهه المبدعين، بل نجده محللا لأكثر القضايا الإنسانية في حياة الشريكين.