بين فترة وأخرى تفاجئنا أخبار المشاهير بأن الحياة التي يروجون لها وأنها مثال حي للسعادة والغنى، ليست إلا خداعا زائفا، وأنهم يسقطون بسهولة في متاهات إدمان المخدرات بسبب حالات الاكتئاب والقلق التي تصيبهم وتجعلهم فاقدي الإرادة وغير قادرين على اتخاذ القرار السليم. عندما يشعر أحدنا بأعراض الاكتئاب أو القلق أو الوسواس القهري، يبدأ بمراجعة الطبيب الذي يخبره أن ذلك ليس إلا اختلالا كيميائيا في وظائف الدماغ، وأن الأدوية ستصلح هذا الخلل، ولكن وبعد سنوات يجد هذا الشخص أنه ما زال تحت تأثير نوبات الاكتئاب والقلق. ويلخص الصحفي جوهان هاري رحلته مع الاكتئاب بعد مقابلة العديد من المختصين، بأن هناك تسعة أسباب للاكتئاب، منها سببان متعلقان بالتركيب الجيني للشخص المصاب، أما السبعة الأخرى فتتعلق بطرق معيشتنا، ويمكن التعامل معها والتغلب عليها. فالشعور بالوحدة، وعدم السيطرة على مشاكل الوظيفة، وعدم قضاء وقت للتمتع بالمناظر الطبيعية، كلها مسببات للدخول في نوبات الاكتئاب. لقد كان الملخص لمعظم حالات الاكتئاب هو حرمان الجسم من احتياجاته الجسدية والنفسية كالضحك والسعادة والانتماء بسبب طريقة المعيشة التي نعيشها حاليا. في عام 2001 زار الطبيب الجنوب إفريقي سمرفيلد كمبوديا وأعلن أن أدوية الاكتئاب أصبحت متاحة في هذا البلد، فأجابه الأطباء من كمبوديا أن أدوية الاكتئاب متاحة في البلد منذ وقت طويل، فسألهم وكيف ذلك؟ فأخبروه بقصة المزارع الذي كان يعمل في حقول الأرز فأصابه لغم تسبب في بتر رجله، ودخل في مرحلة اكتئاب ولم يعد يغادر بيته، فزاره الأطباء والأهالي واشتروا له بقرة وجعلوه راعيا، فاختلط بالرعيان واختفت تلك النوبات خلال أسابيع. لقد كانت الوصفة السحرية أن مريض الاكتئاب تقتله الأحزان والوحدة، وتشفيه روح الجماعة والاختلاط بالمجتمع. وفي عام 2017 أعلن أحد أطباء منظمة الأممالمتحدة أن الوقت قد حان لنتوقف عن الحديث عن الاختلال الكيميائي للدماغ، وأن نتحدث عن عدم التوازن في الحياة التي نعيشها. يقول الطبيب النفسي سام إيفرنجتون إن لديه عددا كبيرا من مرضى الاكتئاب وقليل منهم يتحسن مع الأدوية الكيميائية، وأن السبب الرئيس كان الشعور بالوحدة. وفي يوم جاءته مريضة اسمها اليسا كانجهام، وبدأت برنامجا بالالتقاء بمرضى الاكتئاب مرتين بالأسبوع، وبدأوا التفكير في مشروع يقضون فيه وقتهم، وكانت هناك أرض خلف العيادة فبدأوا في إصلاح تلك الأرض وزراعتها لتكون حديقة. وبدأت المجموعة تهتم ببعضها البعض، ويزورون من يتغيب منهم، وهنا تقول اليسا عندما كانت الحديقة تزهر كانت حياتنا جميعا تزهر من جديد. هذا ما يسمى حاليا بوصف الأنشطة الاجتماعية للعلاج. الأطعمة غير الصحية والبحث عن المال والمكانة والتباهي، كلها أمور تجعلك تشعر بالسوء والأسى وسوف تدمر حياتك مع الوقت. إن الإعلانات التي تبثها وسائل التواصل والمشاهير، كلها أفكار زائفة جعلتنا نبحث عن السعادة في الأماكن الخطأ، ونتجاهل كل ما هو مهم في حياتنا. إن العلاج الحقيقي هو توجيه الشباب لقضاء وقت أطول في اللحظات ذات المعنى والغاية، وتقليل الوقت الذي يكرسونه في متابعة الموضوعات التافهة التي تنشر عبر وسائل التواصل.