لا يوجد شيء أكثر سوءًا من أن يتحول إنسان كامل الأهلية، له حيز في هذا الوجود، إلى مجرد رقم متداول باستهتار وسخف، إلا أن يكون هذا التداول عبر منصة إعلامية لها مكانتها وحضورها بين العامة. قد يحضر هذا الرقم كموقع لها بين سلسلة نساء أخريات تحت مسمى زوجة لشخص واحد، عد أن ذكورته ميزه سمحت له بالتزاوج مع عشرات النساء، أو كان هذا الرقم مقدارًا من المال دُفع للمرأة كمهر في بداية زواجها وحين رغبت في إنهاء هذا الزواج لأسبابها، أصبحت هذه القيمة مقدارًا تعيده مكرهة وتحدد بها قيمتها وحريتها. يأتي السوء أن يصل تشيئ المرأة بقدر ما تكونه من رقم أول أو آخر في حياة الرجل، وما تكلفه من رقم مادي كمهر إن كانت سعودية أو غير سعودية، وما يحقق رغباتها من رقم مادي آخر تتخلص به من علاقة زوجية سامة أو مؤذية. ولا يوجد شيء أعجب من أن نشاهد ونستمع مؤخرًا لكم كبير من التداولات الافتراضية في وسائل إعلامية حديثة مختلفة، لآراء واقتراحات ونصائح تدور حول المرأة: حياتها الخاصة، عملها، تربية أبنائها، مظهرها، وتفصيلات أخرى عديدة قد لا تتوقف عندها المرأة نفسها في خضم حياتها العادية اليومية. يأتي العجب أن من يطرح تلك الأفكار حول المرأة وعنها، من مختلف التوجهات الفكرية والعلمية والبيئات الثقافية المتنوعة، يتحدث مقررًا مصيرها وما ينبغي أن يكون أو لا يكون في قضاياها، ومحملًا المرأة - في تطرف واضح ضد جنسها - مسؤولية خسائر وأضرار تحدث للأسر والمجتمع؛ يحدث هذا كله في صمت غالب وغياب كبير للمرأة -صاحبة الشأن- عن هذا التمثيل لقضاياها التي يتبناها الغير سواء كان مختصًا فيها أم متطفلًا أم مع من ساقه تيار الاعتراض على تغير أحوالها أو حتى يملك أجندة خاصة ضدها. غالبًا أقف ضد تهويل أي قضية أو موضوع يخرج في علنٍ صاخب تسبب فيه الإعلام الجديد تحت مسمى «ترند»؛ وما يحققه من سهولة انتشار أو سرعة وصول لشرائح متعددة، ودائمًا ما أتفق مع أن قضية المرأة وإن تلبست مسميات «الحقوق» أو «النسوية» أو «التمكين» هي من القضايا الرابحة للحديث عنها، والبحث فيها، واكتساب شهرة مجانية في عالم افتراضي يحتفي بالشهرة أيًّا كانت: إيجابية أو سلبية. لهذا حين الحديث عما يلم بالمرأة من مشكلات، وما يعتري حياتها من تغيير، وما تمر به من قضايا رابحة أو خاسرة، وما تحتاجه في أرض الواقع البعيد عن وهج الشهرة وعالم المثاليات الافتراضي يجب أن نراه ونلمسه في أرض الواقع، أن نسمعه من المرأة ذاتها، وأن نقرأه منها بحياد تام، وأن نعيش معها خلجات الفرح بتحسن أحوالها، ونتقمص مدى البؤس حينما تتآمر بعض الأعراف القبلية والدينية والاجتماعية ضدها وضد مصالحها. من يتصدر وسائل الإعلام المرئية، أو المنصات المسموعة متحدثًا باستخفاف عن المرأة على هيئة (رقم) أو (جنسية) تحدد قيمتها بهذين الاعتبارين، ومن يفترض الأحوال السيئة للأسر وتفككها بسبب عمل المرأة، ومن تتحدث من أرض الراحة والسلام عن بنات جنسها تقرر عنهن ما يحق لها عمله وما لا يحق؛ جميعهم حينما وجدوا من يتيح لهم الفضاء للتحدث ولم يمكن الطرف الآخر للتحدث بالإمكانات ومنطلقات القوة نفسها. وهم غالبًا – كأشخاص بفكر ذكوري وإقصائي تجاه المرأة، أو وسائل إعلام مكنتهم من الظهور بصورة البطل وصاحب الحقيقة من خلال منصاتهم- هم بعيدون عن النظر لقضايا المرأة السعودية في الوقت الحالي التي أصبح لها إطار قانوني وتنظيم تشريعي غير مسبوق، وكأنهم يتجاوزون صاحب القرار والسلطة والمسؤولية في الحديث عن المرأة: مسؤولية المرأة وحقها في تمثيل نفسها، ومسؤولية الأنظمة المتمثلة في القانون الرسمي من أعلى سلطات تشريعية ومدنية تقرر ما للمرأة وما عليها. لهذا عزيزتي المرأة أنت لست رقما في خانة أي أحد، أنت أولوية لها حق العيش وتحديد المصير والتحدث عن نفسك وقضاياك وما يناسبك ولا يناسب غيرك، دون البحث دائمًا عن شخص يمثل هذه الأدوار عنك أو تعليق الآمال عليه، لأن خلفك ما هو أقوى من كل الدراسات والتنظيرات التي يتحدثون بها، وأقوى من كل أعراف القبائل وخبايا العشائر التي تستقوي بسلطتها على المجتمعات، لديك إيمانك بذاتك، ووطن أحق لك الحق بأنظمته وقوانينه وتشريعاته التي لن يقاومها إلا خاسر.