جدل واسع يثيره تطبيق تيك توك، ومخاوف عديدة ترتفع داخل الأسر بسببه، بعد أن تحول إلى بعبع حقيقي يهدد استقرار المجتمع وتدمير قيمه، بسبب طبيعة هذا التطبيق الذي بات يستهوي الشباب والأطفال بأكثر مما تفعله بقية تطبيقات وسائل التواصل الأخرى. ومنذ بداية ظهور التيك توك قبل 5 سنوات فقد كان ذلك إيذانًا بإمكانية حدوث تجاوزات كبيرة خصوصًا من قبل صغار السن، ذلك أنه ميسّر للجميع بغض النظر عن فئاتهم العمرية، ورغم أن إدارة التطبيق تطلب بعض المعلومات للحد من السماح لمن هم أقل من 15 سنة بالاشتراك، فإن الأمر يسهل تجاوزه من قبل مستخدميه مما مكن انضمام أعداد هائلة من الأطفال. ونسبة لطبيعته التي تعتمد على تسجيل الفيديوهات والموسيقى والمقاطع الصغيرة فقد بات جاذبًا للجميع، ظنًا بأن ذلك يولد في دواخلهم الرغبة في الإبداع والقيام بأعمال متفردة، لذلك اكتسب شعبية هائلة على مدار فترة زمنية قصيرة جدًا، وأصبح له تأثير كبير على حياة الأشخاص، بعد أن استطاع عبور جميع الحدود وتجاوز عدد مستخدميه ملياري شخص. مع مرور الوقت أضاف التطبيق خاصية الاستضافة والدخول في حوارات لا تخضع للرقابة أو الإشراف الأسري ويتمتع فيها المشاركون بالحرية التامة للحديث عن أي مواضيع يريدونها، وهو ما يعرف ب «قيست» التي تعني ضيف في اللغة الإنجليزية. وجه الخطورة يكمن في أن غالبية هذه الحوارات تكون خارج المألف وتعارض بعضها قيم وعادات وتقاليد مجتمعنا، ويشارك فيها عدد كبير من المراهقين وكذلك الاطفال، وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا على سلوكهم وعلى الأخلاق والمعايير الإنسانية بشكل عام. ما يخصنا في هذا الأمر هو أن كثيرًا من مستخدميه في السعودية باختلاف فئاتهم العمرية منخرطون في هذه المناقشات والحوارات غير المنضبطة، حسبما يؤكد كثير من المختصين الذين حاولوا في مرات كثيرة قرع جرس الإنذار والتحذير من خطورة هذا الوضع على أجيالنا المقبلة، في انتظار قيام السلطات المختصة عن مراقبة المحتوى الرقمي باتخاذ خطوات جادة لربما قد تصل إلى منع هذا التطبيق إذا لزم الأمر وحظر الدخول إليه. كذلك فإن مخاطر تيك توك تتجاوز جانب التأثير الأخلاقي، فهو يتسبب في العزلة الاجتماعية للذين يدمنون على استخدامه، ورغم أنه يدور حول التواصل الاجتماعي مع الآخرين، فإن بعض مستخدميه يميلون للعزلة الاجتماعية ويتجاهلون التواصل مع المحيطين بهم في الواقع، كما أنه يتسبب في وقوع حالات من التحرش بين متابعيه الذين يلجأ بعضهم إلى إظهار بعض تفاصيل أجسادهم أمام الآخرين لزيادة نسبة المشاهدة. كذلك فإن الاستخدام المفرط للتطبيق يظل أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بأمراض نفسية مثل التوتر والاكتئاب، وبالذات عند الفشل في الحصول على نسبة مشاهدة مرضية لهم، وقد يصل الأمر إلى التفكير في الانتحار في حالة انحسار الشهرة وتراجعها. ربما يرى بعض الذين يتشدقون بقيم الحرية وغيرها من المفاهيم والقيم أن الحق في الوصول إلى تلك المواقع متاح للجميع، إلا أن هؤلاء يتناسون دور الدولة في الحفاظ على قيم المجتمع، فإذا كان الأمر كذلك فما هو الداعي إلى وجود القوانين والأنظمة؟ فبمثلما أن الأفعال الخادشة للحياء وسائر التصرفات التي تهدد الثوابت وتنافي الذوق العام تقع ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون، فإن مثل تلك الممارسات غير الأخلاقية هي محظورات يجب وقفها ومنعها بالسبل القانونية. ما يعضد هذا الرأي هو أن هناك كثيرًا من الدول التي بدأت اتخاذ خطوات فعلية في منع التطبيق المذكور، وذلك بسبب التجاوزات التي وقعت بسببه، فهناك أطفال فقدوا حياتهم أثناء محاولاتهم تصوير فيديوهات مثيرة وخطيرة يشاركون بها في التطبيق مثل الوقوف أمام القطارات أو السيارات المسرعة، كما أن بعض الباحثين عن زيادة نسبة المشاهدة اتجهوا لتصوير مقاطع تحتوي على مشاهد فاضحة تؤدي إلى قضايا مخلة أو الدعوة إلى الفسوق. نحن لا نعارض أي تقدم أو تطور تقني متاح ولا نلغي إيجابيات تطبيق تيك توك ولكن يجب ضبط مخرجاته بما يتناسب مع قيمنا، وإلا سوف نكون أمام خطر حقيقي يهدد بإضاعة كثير من مكتسباتنا ولا بد من تصدي الجهات المختصة له، لا سيما في ظل صعوبة السيطرة على ما يشاهده أطفالنا بعد انتشار وسائل التواصل التي لم يعد يخلو منها بيت. وأختم بالقول إن في السابق كان قليل الفهم أو الأدب لا يعرف خصاله سوى خاصة أهله ولكن من خلال تطبيق تيك توك أصبح مشهورًا.