لطالما شكّل التعامل مع المرأة، تعاملا فيه الكثير من الحساسية ممّا جعل هذا التعامل ينقسم لعدة أقسام، قسم وهو الشائع يرى أن المرأة مخلوق ضعيف يستحق النظرة الدونية له ويستحق عدم إنزاله منزلته فتعرضت المرأة نتيجةً لذلك إلى معاملات فيها الكثير من الإجحاف والكثير من هضم الحقوق. كما أن هنالك قسمًا آخر يرى أن كونها مخلوق ضعيف فإن ذلك يتطلب منه توفير الحماية الكاملة لها ممّا نتج عنه خلق أمور دفعت المتبنين لهذه النظرة لاعتبار مسؤولية حماية المرأة مسؤوليتهم الأولى، ولكن يعيب ذلك أن أتباع هذا القسم يتسببون في حرمان المرأة عادةً من الحق في الاعتماد على نفسها والحق في تحمل مسؤولية القيام بشؤونها قبل أخذ موافقتهم. وكلا الفهمان السابقان أوصلانا إلى فهم آخر أفرط في نظرته للمرأة والعمل على رفع الظلم عنها -حسب تقييمه- حيث أصبح يطالب بمساواتها تمامًا مع الرجل مساواة مطلقة خالية من أي اعتبارات فطرية أو مجتمعية أو حتى عقائدية، اعتبارات لا تملك المرأة الخيار في أمر وجودها من عدمه ما أوجد عند أصحاب هذه النظرة رؤية قاصرة جدًا تجاه المرأة تسببت هذه الرؤية في حدوث استقطاب حاد للمرأة وفي حدوث نظرة مشوهة لطبيعة دورها في الحياة. وكان من نتائج هذا اللبس في فهم حقيقة المرأة الإساءة إليها والنظرة البائسة لإمكاناتها وقدراتها ممّا تسبب في تشويه كينونتها وسبب وجودها في الحياة فأدى هذا الفهم المريض للمرأة إلى تعرضها لسوء المعاملة والتي تتدرج في حدّتها من درجاتها الدنيا المتمثلة في العطف الشديد عليها واعتبارها مخلوقًا لا حول له ولا قوة يجب حمايته حتى لو أدت هذه الحماية لحرمانه من حقوقه الطبيعية، حتى وصول التدرج في التعامل مع المرأة لدرجات قصوى مغالية في امتهان دور المرأة وجعلها في نظر البعض تستحق هذا الامتهان، الذي يرون أنه يسمح لهن أو يمنحهن الحق في اللجوء لإساءة معاملتها بل والتعدي عليها. ولعل ما جعل هذه الملامح المتعددة في النظرة للمرأة تتضح أكثر كان عند خروجها لسوق العمل، حيث ساهم وجودها في بيئة العمل الخارجة عن بيئة الأسرة التي اعتادت عليها في جعلها تتعرض للكثير من السلبيات، ومن مظاهر هذه السلبيات التي واجهتها التعرض للتنمر والمعاملة القاسية ممّا ترتب على ذلك خلق جو سلبي جدًا بالنسبة لها، ساهم هذا الجو إجمالًا في اضطهاد مبالغ فيه للمرأة تمثل في تحجيم دورها والتقليل من شأنها وشأن الاعتماد عليها، وهضم حقوقها المادية والمعنوية. نخلص أخيرًا للقول إن التنمر في حقيقته اللفظية والعملية تعاظم حتى وصل لمرحلة التحرش، وهما رغم الفرق بينهما في الأثر والتأثير إلا أنهما يعتبران إلى حد كبير وجهان لعملة واحدة، حيث إن كلاهما تسببا في هضم حقوق المرأة الشرعية والإنسانية وتهميش دورها والحد من اقتناع الكثير من الرجال بأن المرأة كائن بشري قادر على العطاء، وقادر على المساهمة في التطوير والتنمية حسب ما تسمح به خصوصيتها، بشرط ألا يتم إساءة استخدام هذه الخصوصية واتخاذها عذرًا للتنمر والتحرش بها، وسلبها الحقوق التي منحها إياها رب البشر قبل أن يمنحها لها البشر.