لم يكن تاريخ السابع من رمضان ما قبل الماضي، تاريخا اعتياديا مع الضمير الإنساني العالمي، ففيه خرج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بخطاب تاريخي وجهه للسوريين، خطاب حضر في وقت غابت فيه الشجاعة عن الكثيرين، وسجلت فيه المملكة العربية السعودية موقفها من الأحداث التي جرت في ذلك البلد، الذي يرزح مواطنوه منذ الخامس عشر من مارس العام الماضي تحت وطأة آلات القتل والدمار، التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى، ومئات الآلاف من الجرحى والنازحين. رسم خادم الحرمين الشريفين في ذلك الخطاب الذي جاء بعد فترة من "الصبر" خارطة طريق مُثلى لإخراج "سورية العروبة والإسلام" كما قدمها الملك في خطابه من أزمتها الحالية، واضعا أمام طاولة القيادة السورية في ذلك الوقت جميع السيناريوهات المحتمل أن يقبل عليها البلد إن هو استمر في اعتماد الحل العسكري للأزمة. حرص الملك في خطابه أن يكون مباشرا إلى "الأشقاء في سورية"، ومما قاله في الخطاب "إن تداعيات الأحداث التي تمر بها الشقيقة سورية، والتي نتج عنها تساقط أعداد كبيرة من الشهداء، الذين أريقت دماؤهم، وأعداد أخرى من الجرحى والمصابين، ويعلم الجميع أن كل عاقل عربي ومسلم أوغيرهم يدرك أن ذلك ليس من الدين، ولا من القيم والأخلاق، فإراقة دماء الأبرياء لأي أسباب ومبررات كانت، لن تجد لها مدخلا مطمئنا، يستطيع فيه العرب، والمسلمون، والعالم أجمع، أن يروا من خلالها بارقة أمل، إلا بتفعيل الحكمة لدى القيادة السورية، وتصديها لدورها التاريخي في مفترق طرق، الله أعلم أين تؤدي إليه". ووضع الخطاب الذي وجهه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حدا في العلاقة مع نظام الأسد الذي استمرأ قتل الشعب، حيث جاء فيه "إن ما يحدث في سورية، لا تقبل به المملكة العربية السعودية، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، بل يمكن للقيادة السورية تفعيل إصلاحات شاملة سريعة، فمستقبل سورية بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع، لا سمح الله". واختتم الملك خطابه التاريخي بالقول "تعلم سورية الشقيقة شعبا وحكومة مواقف المملكة العربية السعودية معها في الماضي، واليوم تقف المملكة العربية السعودية تجاه مسؤوليتها التاريخية نحو أشقائها، مطالبة بإيقاف آلة القتل، وإراقة الدماء، وتحكيم العقل قبل فوات الأوان. وطرح، وتفعيل، إصلاحات لا تغلفها الوعود، بل يحققها الواقع، ليستشعرها إخوتنا المواطنون في سورية في حياتهم كرامةً، وعزةً ، وكبرياء، وفي هذا الصدد تعلن المملكة العربية السعودية استدعاء سفيرها للتشاور حول الأحداث الجارية هناك". خطاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز، للسوريين، جاء بعد أن استنفد جميع المحاولات الممكنة لإقناع الأسد بتصحيح مساره، حقيقة كشف عنها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، حينما أكد أن خادم الحرمين الشريفين اتصل بالرئيس السوري 3 مرات منذ بدأت الأزمة لحمله على تصحيح مساره دون جدوى. المواقف السياسية للمملكة من الأزمة السورية كانت الأقوى من بين دول العالم، التي تماهت مواقفها بين الغموض تارة والتردد تارة أخرى، وفي كل الجهد العربي والدولي الذي بذل، كانت الرياض صاحبة الصوت الأعلى، ومن المواقف التي لا تنسى انسحاب الأمير سعود الفيصل من مؤتمر أصدقاء سورية، المنعقد في تونس لاقتناعه بعدم جدوى النتائج المتمخضة منه. ولم يكن المسار السياسي هو الوحيد الذي انتهجته السعودية في تعاملها مع الأزمة السورية، إذ وقفت الرياض خير معين مع كل من تركيا والأردن، في رعاية اللاجئين السوريين، الذين غصت بهم المخيمات فقدمت الدعم والإسناد الطبي اللازم لهم، لمساعدتهم في تجاوز الأزمة، قبل أن يأمر خادم الحرمين بحملة شعبية لنصرة السوريين، اختير لها أن تكون في شهر رمضان، وتجاوزت قيمة التبرعات التي قدمها الشعب السعودي للأشقاء في سورية حاجز ربع مليار ريال.