لا يمكن لأي شخص عاقل أن ينكر الخطوات الجبارة التي تقدمها الحكومة السعودية بأجهزتها كافة، للتحول إلى أتمتة وميكنة العمل الإداري، والإجراءات الخاصة بالمستفيدين على كافة تنوعهم. وما شهدناه من عمل جبار في القطاعات الحكومية والخاصة وقت أزمة كورونا، هو أفضل اختبار لعمليات الانتقال الإلكتروني، حيث كنّا من أفضل الدول بالعالم في التجربة التقنية والإلكترونية. ومع كل هذا التقدم المذهل إلاّ أن التطور السريع في العلوم التقنية قد يكون أسرع من مواكبته بالوتيرة نفسها. أنا محب لقراءة التجارب الإدارية التي تصدرها الدوريات العلمية المتخصصة في جوانب الإدارة، وتعجبني الخطوات التي تقدّمها الإدارة الحكومية الإماراتية، فلسفة الابتكار في الإمارات تعتبر منهجية يتم العمل عليها من رأس الهرم الإداري حتى أدناه. مؤخراً اطلعت على تجربة جديرة بالاهتمام وأحببت مشاركة القارئ بها. في عدد خاص أصدرته كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، تحدثت فيه عن فلسفة جديدة أسمتها ب(الخدمات الاستباقية المبتكرة في القطاع الحكومي)، وتقوم الفكرة على أن حكومة الإمارات يتوجب عليها مستقبلاً أن تتنبأ بالخدمات التي يحتاجها المتعامل معها، ومن ثم يتم استباقه وتقديمها له قبل أن يطلبها، وذلك بعد دراسة احتياجاته وتطلعاته وسلوكياته بناءً على أدوات الذكاء الاصطناعي. بمعنى: أن الخدمات الحكومية يجب أن تنتقل من حيز التفاعلية إلى الاستباقية. حيث إن التفاعلية أمر يحدث بعد تقدم المواطن إلى الجهة بطلب أعمال وإجراءات تخصه. أما الاستباقية فمعناها أن تتقدم الجهة بالأعمال والإجراءات التي يتوجب على المواطن عملها قبل أن يطلبها. علماً بأن هذه العمليات الاستباقية ستكتفي بأخذ أية وثيقة تخصك مرة واحدة فقط طوال عمرك مهما تعددت معاملاتك في جهات الدولة كافة. وأفضل مثال يمكن الحديث عنه لفهم الفكرة، بحسب الإصدار الذي أنقل عنه. تم إطلاق 12 خدمة استباقية من وزارة اللامستحيل للمستفيدين. فمثلاً عند الانتهاء من أخذ منحة الزواج، يرسل النظام تلقائياً رسالة للمستفيد يبلغه فيها بأنه يمكنه التقديم بضغطة زر واحدة على برنامج زايد السكني من دون تعبئة أي بيانات أو إرفاق أية مستندات، حيث إن كل المتطلبات والوثائق تم أخذها منه في فترات سابقة. وأيضاً هناك خدمة أخرى، فعندما يفتح التسجيل في المدارس ولديك طفل في عمر التسجيل، يرسل لك النظام تلقائياً بيانا عن المدارس القريبة منك، وبإمكانك بضغطة زر تسجيل ابنك في أي مدرسة ترغب بها، وبدون أي وثائق أو إجراءات. في الحقيقة استمتعت جداً وأنا أقرأ المجلة التي تتحدث عن هذا العمل الجبار. وأدرك أن هذا التحول في التفكير الإداري ليس من السهولة بمكان، وأن العمل عليه سوف يأخذ وقتاً وجهداً وطاقة كبيرة جداً. وبحسب رأي رئيس الخدمات الحكومية في الإمارات محمد بن طليعة، في مقالة له نشرها الأسبوع الماضي بمجلة فورتشن، يقول: الحكومة الإماراتية تهدف بهذا العمل إلى أن تجعل المجتمع الإماراتي، المجتمع الأسعد على مستوى العالم من خلال تبني هذه الفلسفة وعبر إيجاد سياسات واضحة للمؤسسات الحكومية، تضمن تحول خدماتها من خدمات تفاعلية إلى خدمات استباقية بنسبة 100% بحلول عام 2025.