أم مريم أرملة ومسنة، زادت الأيام من همومها بمرض أمها التي تكفلها وقد بلغت من العمر مئة عام وعلاجها الذي يتكلف مبالغ كبيرة لا طاقة لها بها، ورغم حالة الفقر المدقع الذي تعيشه ومنزلها الذي يخلو من أي أثاث أو موقد غاز، إلا أنها ترفض أن تسأل الناس، وبعد حديث غير قصير معها استجمعت قواها وهي تشيح بوجهها لتخفي دمعة المحتاج قائلة أتمنى أن يساعدنا أهل الخير أو الجمعيات الخيرية في علاج أمي الذي يتكلف مبلغا باهظا لا طاقة لي به. أم مريم ليست النموذج الوحيد للفقير المتعفف الذي يحسنا ديننا الحنيف على البحث عنه وتفريج كربه بما نستطيع. وهناك أيضاً حالة الشيخ أبكر التي تعد أوضح مثال لمن تذهب عنه الدنيا. فأبكر عمل لأكثر من63عاما إمام وخطيب مسجد خالد بن الوليد، ويقول أحد تلاميذه الذي دلنا على مسكنه المتواضع: إنه تجاوز ال105 أعوام، ويعترف كثير من جيرانه وسكان الحي أنه درس أبناءهم الحديث وحفظهم القرآن الكريم إلى أن أصابه المرض وأقعده في محله، وبين الحين والآخر يعطف عليه بعض طلابه السابقون بما تجود به أنفسهم. وعلى فراش مهتر تمتم الشيخ أبكر" الذي وافته المنية عقب لقائنا به وقبل نشر التقرير بأيام قليلة" بكلمات صادقه قائلا لا أحتاج إلى أي شيء غير الستر ونحمد الله ونشكره، ثم غاب قليلا عن الوعي ناسيا اسمه وعمله والعجيب أنه لم يفقد إيمانه وأمله في كل من يأتي لزيارته ممن تتلمذ على يده فكان الشيخ أبكر يتذكر أولئك الأطفال بعد أن أصبحوا كبارا وآباء يستقبلهم بدعائه الجميل اللهم احفظهم وثبتهم على دينك وقرآنك. وفي حالة أخرى تسيطر عليها الحاجة ويلفها الفقر انتقلنا لمنزل العم علي السياني تجاوز السبعين عاما ويعيش برفقه شقيقه الثمانيني ويعول الاثنان ابنة علي السياني المقعدة (سمحة) التي سقطت قبل أعوام من درج منزلها وأصيبت بشلل أقعدها عن الحركة. والعجيب أن العم والأب يقومان منذ عشر سنوات على خدمتها والاعتناء بها في واقع مأساوي. ومن منول السياني يصطحبنا الجار عبد الله ليعرفنا على حاله مسن متعفف آخر وهو العم أسعد البالغ من العمر 85 عاماً الذي تركه أبناؤه وهجروا المدينة لمناطق عملهم. العم أسعد يجلس سويعات قليلة في الشمس ينظر بغصة باتجاه الشارع لعل نظره يصادف أيا من أبنائه يكون قمقبلا لزيارته، فهو يمضي ما تبقى له من أيام وحيدا محتاجا لكنه يتعفف عن مجرد الشكوى فهو قليل الكلام شارد الذهن بشكل شبه مستمر، والغريب أن من يساعده على الخروج من المنزل جاره وصديق رحلة الكفاح العم سليمان البالغ 73 عاما والاختلاف أن المسن سليمان له أبناء يعولونه ويزورونه على فترات متباعدة. ويرى الاختصاصي النفسي الدكتور علي الزائري أن الضرورة باتت ملحة وأصبح من اللازم وجود دور إيوائية في جدة وهي مطلب مهم تفرضه إفرازات التغيرات الاجتماعية على أن يتوفر بالدور الإيوائية اختصاصيون نفسيون واجتماعيون ومؤهلون قادرون على التعامل مع المسنين وتوفير طلباتهم. وينتقد أستاذ الشريعة بجامعة القصيم الدكتور محمد الشايع اتساع ظاهرة إهمال المسنين، ويقول إن الأحكام الشرعية الإسلامية نصت على البر بالوالدين والإحسان لهما وجاء ذلك في قوله تعالى (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أٌف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) ويجب أن تهتم مؤسسات المجتمع المدني بهم.