التّأريخ في كثيرٍ من أحداثه ومواقفه يكاد يعيد نفسه، وإن بدت في الأفق بعض المتغيّرات المتلاحقة، إلاّ أنّ الحقيقة المؤكّدة هي أنّ هناك شعوبًا كلّما زادتهم المواجع ألمًا تعمّقت في دواخلهم آصرة العلاقة فيما بينهم، واستوطنهم وهج الالتفاف. هكذا هو الشعب السعودي، فمنذ عام 1990م، - كونه الأقرب إلى الذّاكرة إبّان حرب الخليج- مرورًا ببعض الأحداث السياسيّة الكبرى لعلّ أبرزها ما يُسمّى الربيع العربي، وانتهاء ب«عاصفة الحزم» المباركة، والشّعب السعودي بكلّ فئاته يسجّل خيوطا منسوجة من ذهب متألّقا، ضاربا أروع الأمثلة الحيّة، والدّروس الواقعيّة منظورة في عمق علاقة الإنسان السعودي بأرضه من جهة، وبقيادته من جهة أخرى؛ علاقة قائمة على الثّقة المتبادلة والحبّ المكنون بينهما يستوي فيها الظّاهر والبائن بالباطن والمخبر. فأيّ حسابٍ يمكن أن يسجّله التّأريخ وقد مرّت أكثر من ثلاثين عامًا على أحداث ذلك التّأريخ، وطوابير عريضة من الشباب السعودي سجّلت لها تأريخا حافلا وعميقا في سطوره غير سطر واحد يختزل كلّ ذلك التّأريخ مع ما فيه من مواقف تترى تستحق الذّكر والاحتفاء والفخار، إنّه سطرٌ واحد يكمن في كينونة المعادلة ما بين أرض وقيادة، وما بينهما مساحة تختزل حبًّا عامرا؛ إنّه حبٌ موثوق الرّباط متّصل العرى. هكذا هو الشّعب السعودي ولا غرو، يثبت بالوقائع الحيّة والدّروس العمليّة لا بالمظاهرات والهتافات، وحمل الشّارات والرّايات، أنّه هو، هو رغم ما حدث من تحوّلات طالت ما حوله من صراعات ونزاعات وحروب لمّا يزل كامل الرؤية، كيس العقل محملًا بالرّجاحة والنّصفة مع أحداث التّأريخ من دون أن يتعلّق بشماعة أصوات الخارج المناوئة، ووعود النائحة المستأجرة. فمهما علتْ أصوات النّشاز الخارجي ضدّ الشّعب السعودي وقيادته تظلّ، في نهاية المطاف أصوات باهتة يعتورها الانكسار والخفوت، والضّعف والخور بحيث لا تتجاوز حناجر القائلين بها، والشعب السعودي دومًا يعكس المعادلة بضرب الأمثلة الحيّة في ولائه وانتمائه الذي لن تجد له في عُرف الأمم عبر تأريخها الطّول سوى سطر مكتوب في لوح يكاد يحفظه التّأريخ بعبارتين: أرض وقيادة، ومساحة مكسوة بحبٍّ عامر يختزل ما بينهما ويوثّق عراها، لتبقى تلك الأصوات النّاعقة سهاما مرتدّة على أصحابها، لا تتجاوز - كما يريد لها أصحابها- سوى إثارة الفتنة والسعي نحو البلبلة.