أول ما يتوارد للذهن عند الحديث عن الجامعات هو دورها التقليدي في التعليم والأبحاث، التعليم الذي يُخرّج أفرادا باحثين عن فرص وظيفية، أو صانعين لهذه الفرص، والدور البحثي الذي ينشر الأوراق العلمية، ويُنتج الابتكارات. كما أن هناك دورا ثالثا رياديا للجامعات بدأ يبرز في العقود الأخيرة، وهو المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر نقل المعرفة ونتائج الأبحاث من بين جدران المختبرات إلى النظام الاقتصادي، هذا الدور المساهم في «الاقتصاد المعرفي» جدير بالاهتمام والدراسة. المقصود بالاقتصاد المعرفي هو نظام الاستهلاك القائم على رأس المال الفكري، والذي يعتمد على الإمكانيات الفكرية والعلمية أكثر من اعتماده على الموارد المالية والطبيعية. على الجانب النظري، من المهم فهم وتحليل العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة، والمرتبطة بتمكين الجامعات من تأدية دورها ورسالتها الثالثة في أن تكون مساهمة في التنمية الاقتصادية، المبنية على المعرفة والتكنولوجيا. على الجانب العملي من المهم أن تعرف الجامعات ويعي صُنّاع القرار سُبل تفعيل هذا الدور، إذا ما كنا نطمح لجامعات ريادية مؤثرة في محيطها، وهذا لا يتحقق دون الوعي بأهمية دور الجامعة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ثم وضع إستراتيجيات محكمة للسير في هذا الطريق. إنتاج ونقل المعرفة، والابتكار، وتسجيل براءات الاختراع، وتسويقها، وإدخالها في السوق، جميعها نشاطات تصُب في التوجه الريادي للجامعات لكنها ليست كل شيء. لكي تصبح الجامعات ريادية عليها أيضا أن تنخرط ضمن المجتمع المحيط بها، وتتفاعل معه عبر فتح أبوابها واحتضان الفعاليات والندوات والبرامج الثقافية والعلمية. على الجامعات أن تكون متفاعلة مع الحكومات والأسواق التجارية والصناعية، غير أنها يجب أن تكون متفردة ومستقلة بقراراتها، كما أن الجامعات الريادية تسعى للتميز والابتكار وهذا يحتم عليها المخاطرة والتجربة لأجل تحقيق ذلك. من التحديات الرئيسة للجامعات التي تسعى في أن تكون ريادية هي الترويج لثقافة الريادة في المجتمع وتعزيز هذا السلوك بين الناس، وبناء علاقات قوية مع الشركات المحلية والدولية، الجامعات الريادية تسعى للاستفادة القصوى من إنتاجها العلمي في تحويله لرأس مال معرفي ذي عائد اقتصادي، وإضافة قيمة للمجتمع، دون اعتبار ذلك تهديدا لقيمها الأكاديمية، ومهامها التقليدية كصرح تعليمي. تتمحور إسهامات الجامعات الاقتصادية بشكل عام لمحورين، مباشر وغير مباشر، من الأمثلة على الإسهامات المباشرة هو تأسيس شركات من رحم البحث والنشاط الجامعي، أو عبر التعاون مع شركات قائمة ودعمها من خلال إصدار براءات الاختراع، ومن خلال مراكز التكنولوجيا، أو ما يعرف بالحدائق العلمية التكنولوجية، ومن الأمثلة على الإسهامات غير المباشرة، العمل على العقود البحثية والاستشارات، والتي من شأنها إيجاد الحلول للعديد من مشاكل السوق، وتحسين أداء الشركات، كما أن برامج التدريب المكثفة، والتعليم الجامعي المنتظم يساهمان في في تنمية العنصر البشري. وكل ما سبق من أمثلة يصب في توليد رأس المال البشري، والمعرفي، والريادي والذي تحتاجه الدول للتنمية الاقتصادية المستدامة.