تنتشر قصص النجاح التي تولد من رحم المعاناة، وتَلقى رواجًا إعلاميًا، وتُشكل مادة دسمة لصناع الأفلام على سبيل المثال، فطبيعة القصص التي قد تكون مشوقة، قصة لشاب ولد في حي فقير، وسط ظروف مادية صعبة، لكنه قاوم كل تلك الظروف، وتسلح بالإرادة ليتفوق في دراسته، حتى أصبح عالِمًا يشار له بالبنان، أو بدأ من الصفر ومن مِهنٍ متواضعة حتى أصبح ثريا. مثل هذه القصص تكون ملهمة وشيقة تحفز من يطلع عليها ويسعى الناس لنشرها.. وهي فعلا مُمكنة وباعثة للأمل، ناهيك عن كونها القصص الأمثل لأفلام السينما، إلا أنها قد تكون مضللة لواقع الحياة، والقاعدة الأساس للنجاح في شتى المجالات. فنجاح شخص ما في أن يصبح رجل أعمال ثري، وهو ابن عائلة فقيرة، نشأ في حي فقير أمر نادر، ونجاح شخص لم يُكمل تعليمه الجامعي في أن يصبح أبرز علماء عصره هو استثناء. الأصل هو أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان لها دور كبير في صناعة مستقبله. فلو أن شابا مثل مارك زوكربرغ، مؤسس فيسبوك، وُلد ونشأ في إحدى الدول النامية على سبيل المثال، فإن فرصه في الوصول لما وصل إليه ستكون أقل بأضعاف عما مر به، وتوفر لديه في الولاياتالمتحدة، وفي محيطه بجامعة هارفارد، ولنا أن نعكس ذلك على شتى مجالات الحياة. الوسط الذي نعيش فيه، سواء باختيارنا أم إجبارا، له أثر في تكوين شخصياتنا ورسم مستقبلنا، عقلية الفرد تتأثر تراكميا بما يتلقاه من الدوائر الصغيرة حوله، ومن الرأي العام في المجتمع، الأنظمة والأعراف والتقاليد تُشكّل سلوك الإنسان، تُتاح لنا العديد من الفرص عبر الحديث مع معارفنا، سواء بشكل مباشر، أو من خلال متابعة شخصيات وجهات معينة، عبر وسائل التواصل الرقمية، فطالب المرحلة الثانوية قد ينضم لبرامج تأهيل القبول الجامعي لأرقى الجامعات، بعد تلقيه رسالة واتس آب من أحد أفراد عائلته، والذي حفزه بعد ذلك على التقديم، رجل الأعمال قد يعلم عن مناقصة في مجال عمله عبر ديوانية يزورها أسبوعيا. الحديث ومشاركة الناس التجارب، ولو بشكل عفوي، ينتُج عنه تراكم يعزز من فرص تقدم وتطور الفرد ذاتيًا، من هنا تكمن أهمية الالتفات لطبيعة البيئة المحيطة بنا، ومراجعة ما إذا كانت الدوائر الاجتماعية التي نحيط أنفسنا بها متوازنة، وتشمل ما يلبي حاجاتنا، قد يُوضع المرء في بيئة معززة للنجاح دون اختياره، وقد يُضطر أحيانًا أخرى للبحث عن هذه البيئة. وفي هذا العصر قد تكون هذه البيئة رقمية عبر المواقع التي نتصفحها، ومن نتابع في تويتر وسناب شات وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي. المهم هو التوقف بين الفينة والأخرى، والنظر من حولنا لتفقد طبيعة علاقاتنا، خصوصًا الدوائر الاجتماعية التي نكون وسطها باستمرار.