نعت الأوساط الصحفية والثقافية والإعلامية في المملكة والخليج الأستاذ تركي بن عبدالله السديري، رئيس تحرير صحيفة الرياض الأسبق والمشرف العام على الإدارة والتحرير بالمؤسسة ورئيس كل من هيئة الصحفيين السعودية واتحاد الصحافة الخليجية سابقًا وعميد الصحفيين السعوديين، وذلك بعد رحلة معاناة صحية. وجاء وقع وفاته -رحمه الله- مؤثرًا على المستوى الشعبي والرسمي بعد قرابة ال50 عامًا في الوسط الصحفي تاركًا خلفه إرثًا من سطور القلم، ومنهجًا خاصًّا في تاريخ الصحافة السعودية والخليجية. وكان المغفور له -إن شاء الله- الزميل والأستاذ تركي بن عبدالله السديري الصحفي والكاتب ورئيس التحرير السابق، الذي وُلد سنة 1363ه في محافظة الغاط بمنطقة الرياض، وتلقى تعليمه بمدينة الرياض، قد عمل صحفيًّا إلى أن تولى عمله رئيس تحريرٍ لجريدة الرياض منذ عام 1394 حتى استقالته من العمل الصحفي بتاريخ 16 شوال 1436ه. كما أطلق عليه الملك عبدالله لقب «ملك الصحافة السعودية». رحلته قال الراحل تركي السديري في حديثه عن طفولته إنه لم تُتح أمامه آفاق للشغب أو للأحلام. أما عن ذكرياته عنها فقال إنها فقيرة، وليس فيها ما يشد الانتباه؛ فما كان هناك سوى خيالات وأمانٍ بعيدة الوصول. وقد انتقل السديري من محافظة الغاط في المنطقة الوسطى إلى مدينة الرياض عندما كان صغيرًا، ومن ثم التحق بالدراسة فيها، وكان ذلك برعاية أخيه محمد السديري. نقطة التحول في فترة مبكرة من حياته الصحفية حرص السديري على تكريس وقته وجهده في قراءة مؤلفات توفيق الحكيم والمنفلوطي ويوسف السباعي ومحمود تيمور وعدد كبير من الروائيين العرب؛ ليذهب إلى الأدب الروسي الذي أبحر فيه؛ فقد قرأ لدستوفسكي وبوشكين وتيشيخوف، كما اهتم بالروايات الفرنسية، وبالأدب الأمريكي، خاصة الأدب الزنجي؛ فكان لذلك الكم الهائل من الروايات العالمية دورٌ مهم وفعَّال في صناعة تركي السديري الصحفي المثقف والكاتب اللامع، الذي انعكست ثقافته الأدبية على كتاباته الرياضية في صحف الجزيرة والرياض ومجلة اليمامة. وبذلك فقد بدأ بزوغ نجم تركي السديري إلى أن امتدت نجاحاته بقيادته المتميزة للشقيقة صحيفة الرياض رئيسًا لتحريرها أكثر من أربعة عقود، وتوليه رئاسة هيئة الصحفيين السعوديين، واتحاد الصحافة الخليجية، حتى غادرهما في نهاية العام 2016م عبر انتخابات جديدة. مشاركاته تألُّق الأستاذ تركي السديري المستمر أوجد له المصداقية التي جعلته مطلبًا للإعلاميين والمهتمين للظفر بأقواله وتصريحاته وآرائه التي تلقى قبولاً ومتابعة ومعارضة أحيانًا أخرى من قِبل المتلقين على اختلافهم؛ فقد تمت دعوته للمشاركة واستضافته في العديد من المناسبات على القنوات الفضائية؛ وذلك للحديث حول القضايا السياسية والاقتصادية والمحلية، ونتذكر منها عندما استضافه تركي الدخيل في برنامج (إضاءات)، وفي برامج أخرى. كما أن نجاحه امتد محليًّا وإقليميًّا وعربيًّا؛ إذ دُعي للمشاركة في العديد من الندوات والمؤتمرات الصحفية والأدبية داخل المملكة وخارجها، كما أن للراحل تركي السديري العديد من النشاطات والظهور الأدبي، ومن ذلك: - شارك في ندوة (الصحافة الخليجية وقضية الهوية المشتركة) ضمن فعاليات مؤتمر ومعرض الإعلام والإعلان الذي أقيم في عام 2008م بقطر. - شارك في الندوة الثقافية (ندوة النخيل) للأستاذ الدكتور محمد بن سعد آل حسين، وكانت تتحدث عن الصحافة السعودية، ما لها وما عليها. - حل ضيفًا على أمسية إعلاميي الرياض في دورتها الثالثة في 2008م. - شارك في مؤتمر مركز الخليج للدراسات في عامه الثامن، وناقش قضية (العرب في بيئة دولية متغيرة) بالشارقة. - شارك في منتدى الإعلاميين الذي كان حول هامش الحرية في الإعلام السعودي وعلاقته بقائمة منظمة (مراسلون بلا حدود). - في عام 2006م شارك في ندوة الرقابة الإعلامية ومتغيرات العصر التي أُقيمت على هامش معرض الكتاب الدولي بالرياض. - وفي عام 2000م تمت استضافته في ندوة عن غزو الكويت، الأسباب والنتائج واستشراف المستقبل، بالجامعة الأمريكية في بيروت. وقد شارك السديري في غيرها من الملتقيات التي تناولت القضايا الإعلامية والسياسية. وقد أُجريت معه العديد من اللقاءات التلفزيونية والإذاعية والصحفية (العالمية) منذ توليه رئاسة تحرير (الرياض). ويأتي كمثال على ذلك الحوارات التي أجرتها معه التايمز اللندنية، والإكسبرس الفرنسية، ووكالة بلوم بيرج الأمريكية، وول ستريت جورنال الأمريكية، والنيويورك تايمز، وقناة الجزيرة القطرية، وقناة الإم بي سي، وقناة إيه آر تي راديو وتلفزيون العرب، وإذاعة لندن، وغيرها الكثير من اللقاءات. مسيرته تقلَّد السديري مناصب عدة في مؤسسة اليمامة الصحفية؛ فطريقه لرئاسة تحرير جريدة الرياض لم يكن سهلاً بطبيعة الحال. وقد تدرج السديري من محرر رياضي إلى محرر سكرتير المحليات، ثم سكرتيرًا للتحرير، وأخيرًا رئيسًا للتحرير. وعن ذلك فقد تحدث في أحد الحوارات الصحفية التي أُجريت معه بأنه قد تم اختياره مرشحًا ثالثًا لتولي رئاسة التحرير في الصحيفة، ولكن الاختيار قد وقع عليه ليتولى ذلك المنصب الكبير والمهم. ولا يُخفي السديري أنه قد فوجئ بذلك القرار؛ ويقف وراء ذلك وجود من هم كانوا أقدم منه. ولا يختلف اثنان على أن تركي السديري يعتبر أشهر من النار على العلم، ورمزًا من رموز الصحافة السعودية والخليجية وحتى العربية؛ وخير دليل على ذلك هو استمراره في العمل رئيسًا للتحرير ومشرفًا عامًّا لمدة تجاوزت 43 سنة في جريدة الرياض، التي شهدت قفزات نوعية وتطورًا في عهده؛ فأصبحت خلال تلك السنوات في مقدمة الصحف المحلية والعربية. مهنية عالية تتجلى المهنية الخلاقة لتركي السديري من خلال حواراته الصحفية التي التقى فيها شخصيات سياسية ومسؤولة رفيعة، وزاويته شبه اليومية (لقاء) التي استحقت أن يطلق عليها الزاوية الأطول عمرًا في الصحافة السعودية؛ إذ استمرت 43 عامًا. ففي عام 1392 كانت ولادة زاوية (لقاء) التي رأت النور على صفحات جريدة الرياض في العدد 2300، ومنذ ذلك الحين أصبحت بمنزلة النافذة التي يطل من خلالها على التحولات والانكسارات والنجاحات والتطورات التي حدثت في المجتمع السعودي والعربي حتى اليوم. وقد وصفها الباحث عبدالله السمطي بالوثيقة التاريخية التي تتضمن صورًا شتى من الأحداث والوقائع والتحليلات المتعددة، خاصة على المستوى السياسي. كما وصف السديري بالشاهد على العصر. «الرياض» الصحيفة وتركي السديري بشهادة الكثيرين، فإن السديري في حياته - رحمه الله - أثرى الساحة الإعلامية السعودية، وبذل فيها عطاءه الجزل، وأسهم في تطور الصحافة السعودية التي تقود ركب الصحافة العربية. والسديري صنع مع زملائه «صحيفة الرياض» هرمًا صحفيًّا، وحصد معها النجاح طوال أربعة عقود مواصلة مسيرتها المهنية، وقدرتها على المنافسة، وانسجامها مع التطورات المتسارعة في الإعلام؛ إذ تعبِّر عن رؤية مستقبلية نحو تقديم الأفضل للقارئ والمعلن معًا. آخر عهده برئاسة التحرير عقد مجلس إدارة مؤسسة اليمامة الصحفية اجتماعًا برئاسة معالي الدكتور رضا عبيد. وتم خلال الاجتماع الموافقة على قبول استقالة الزميل الأستاذ تركي بن عبدالله السديري -رحمه الله- من رئاسة تحرير صحيفة الرياض بدءًا من تاريخ 1 - 8 - 2015م، وتعيينه مشرفًا عامًّا على المؤسسة. «فوربس» تختصر 40 عامًا من عطاء تركي السديري في فيلم مميز استعرض فيلم، عُرض خلال حفل رواد الأعمال الأكثر إبداعًا في المملكة، المسيرة العملية للمشرف العام لصحيفة «الرياض» ورئيس مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين ورئيس اتحاد الصحافة الخليجية، الزميل تركي السديري، وذلك منذ بدايات عمله في الصحافة. وتطرق الفيلم إلى بدايات السديري في مجال كتابة القصة القصيرة قبل دخوله إلى عالم الصحافة، وتتبَّع جهوده في تطوير صحيفة «الرياض»، منذ تأسيسها حتى بلوغها أعلى الصحف العربية مقروئية، ودوره في إجراء عدد من المقابلات مع عدد ليس بالقليل من زعماء العالم والقيادات العربية، حتى لقَّبه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- ب«ملك الصحافة»، إضافة إلى مرافقته الملك سلمان بن عبدالعزيز حينما كان أميرًا للرياض، ومشاهدته مراحل التطور التي شهدتها مدينة الرياض، واستماعه لنصائح وتوجيهات الملك سلمان، ومتابعته الأحداث التي تتطرق لها الصحافة. وأشار الفيلم إلى بداية العمل الذي طوَّره السديري في «الرياض»؛ إذ لم تكن نسبة السعوديين المتفرغين في العمل الصحفي بجريدة «الرياض» تتجاوز عشرة أشخاص، لكنه بعد مرور ثلاثين عامًا أصبح عدد المتفرغين 223 من المتفرغين والمتفرغات. وكانت «الرياض» تصدر بثماني صفحات فقط، بينما حقق التطور الشامل الوصول إلى ستين صفحة معظم أيام الأسبوع، إضافة إلى تميُّز زاويته اليومية «لقاء»، التي بدأ كتابتها قبل انطلاقته في رئاسة التحرير، واستمرت متواصلة الصدور أثناء رئاسته التحرير. وأشاد القائمون على الفيلم بالجهود التي بذلها السديري طوال 41 عامًا، قضاها في الصحافة، مستعرضًا جانبًا من الإصدارات للأعداد الأولى للصحيفة، ومراحل انتقالها من مقرها القديم إلى الجديد في حي الصحافة. ولفت الفيلم إلى أن «الرياض» حققت في رئاسته تحريرها أول حضور صحفي للمتفرغين في ملكية أسهم المؤسسة، وبلغ عدد الصحفيين والصحفيات السعوديين الذين شملتهم عضوية الملكية خمسة وأربعين صحفيًّا وصحفية، إضافة إلى حصول «الرياض» على الجائزة العربية الأولى بوصفها أفضل صحيفة عربية لعام 2010 من بين الصحف العربية، وذلك خلال ملتقى الإعلاميين الشباب العرب الثالث، إلى جانب حيازتها عددًا من الجوائز المختصة بأنواع التحقيقات الاجتماعية، والأخرى ذات العلاقات بالشؤون الصحية. وفازت «الرياض الإلكترونية» بأكثر من جائزة على المستوى المحلي والشرق الأوسط والعالم. حديث ما قبل الرحيل وفي آخر حديث للزميل المغفور له -إن شاء الله- تركي السديري كشف أن أسباب استقالته من الصحيفة التي قدمها هي تكرار متاعبه لتقدمه في السن، وتجاوزه الخامسة والستين من العمر. وقال: «استقلت بعد أن تكررت عليّ المتاعب. تجاوزت الخامسة والستين. لا توجد مشاكل في الصحيفة.. هناك تفاهم وتعاون، ولا خصومات». وأضاف: «أنا شخصيًّا لم أعد أستطيع استكمال المدة بالعطاء السابق نفسه، لكنني مستعد لتقديم الخدمات للصحيفة دون أي شروط». ونفى السديري أن يكون تراجع الأرباح سببًا لاستقالته مؤكدًا أنه قرر ذلك لكي يرتاح، ويعيش في منزله. وبيَّن: «لن أترك الصحيفة. سأزورها يوميًّا لمتابعة العمل والنشاط، في اجتماع مجلس الإدارة الذي عرض فيه موضوع الاستقالة كان هناك اتجاه لعدم قبولها؛ إذ تقرر أن أكون مشرفًا عامًّا، أقوم بتمثيل مجلس الإدارة في الاجتماع اليومي للتحرير وفق ساعات عمل محددة؛ ليكون هناك تواصل بين مجلس الإدارة وإدارة التحرير». مضيفًا: «لن أتدخل في مهام رئيس التحرير إلا في حال وجود خطأ، ولا أتوقع حدوث أي أخطاء؛ لأن الفريق كان يعمل معي، ولم يرتكب أي أخطاء». وأكد السديري أنه سيقدِّم خدماته للفريق الجديد في التحرير مشيرًا إلى أنه معاصر للصحيفة منذ أن كان عدد محرريها 15 إلى أن وصل 300، ومنذ أن كان مقرها من غرفتين إلى مبانٍ ضخمة، لا توجد لدى آخرين في أي دولة عربية. كما كشف «تركي السديري» -رحمه الله- أن ال40 عامًا التي كانت مدة رحلته في رئاسة التحرير وعالم الصحافة المشوق والمرهق شاكس خلالها أصدقاء وزملاء المهنة، وقاتل من أجل أفكار ومبادئ، أبرزها كان التنوير والحداثة، وهو ما آمن به من أجل تحقيق مسيرة البناء الوطنية، وكانت كفيلة بإشعال أصوات معارضة مطالبة بإيقافه عن الكتابة، رفض -بحسبه- «حتى مجرد التفاهم معها». كما رجع السديري بذاكرته حين تولى أول وظيفة، وهي رئيس قسم الأرشيف بوكالة وزارة الداخلية للشؤون البلدية على المرتبة السادسة في عام 1387ه بمرتب قدره 800 ريال، قبل أن يتم الموافقة على إعارته موظفًا متفرغًا في تحرير صحيفة الرياض في عام 1392ه براتب شهري قدره 2000 ريال؛ لتستقر خطاه، وتبدأ في مؤسسة اليمامة الصحفية. رحم الله الفقيد الزميل والأستاذ تركي السديري رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جنانه. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.