كان الرئيس الأمريكي يرى خلال عبوره بالهليكوبتر من البيت الأبيض إلى المطار عددًا من المباني القبيحة التي أقامتها وزارة الدفاع خلال الحرب العالمية الأولى كمبان مؤقتة، وانتهت الحرب ولم تهدم تلك المباني، بل استمرت حتى تولي نيكسون الرئاسة رغم بشاعتها وعدم تجانسها مع ما حولها من أبنية. أصدر نيكسون أمرا بإزالتها على الفور وبلّغ الأمر للجهات المعنية التي سرعان ما وجدت مبررات قوية لإبقاء المباني على حالتها. تكررت أوامر نيكسون وتكرر التلكؤ إلى درجة أن الرئيس قرر أن يجعل من هذا الموضوع امتحانا لمدى سيطرته على البيروقراطية، فأخذ يتابع الأمر بنفسه أسبوعيا حتى نجح بعد حوالي سنتين في هدم الأبنية. إن منظر رئيس الجمهورية في أقوى دولة في العالم، وهو في صراع مستميت مع جهازه الإداري لإزالة بعض المباني المؤقتة هو منظر عجيب، ولكنه أمر لا يستغربه كل من عرف البيروقراطية. نسمع أن فلانا كان يتكلم بحماس عن ضرورة إصلاح الأوضاع في شركة ما، وتشاء الظروف أن يتولى أمر هذه الشركة ولا يتحقق الإصلاح المنشود. ويتساءل الناس: لماذا ؟ وتكثر الاجتهادات وتتعدد، أعتقد أن السبب الحقيقي هو أن هذا الرجل ما أن دخل مكتبه في الشركة حتى وجد نفسه في دوامة من القضايا والمشاكل والقرارات المعقدة التي تأخذ كل وقته. ويتكرر المشهد كل يوم وكل شهر وكل سنة، ويمر الوقت دون أن يستطيع أن ينتزع نفسه من الدوامة ليفكر في أوضاع الشركة وإصلاحها. ثم نجده بعد أن ترك الإدارة ولديه العديد من الأفكار عن كيفية تطوير العمل في الشركة، ولو سألته عن السبب الذي منعه من تطبيق ذلك، لقال لك بصدق محير، إنه لم يجد الوقت!. ولو حاولنا أن نقترح الحلول لهزيمة البيروقراطية، هي أن يبدأ المدير بتحديد نطاق إشرافه، وقد يختلف الأمر من شركة إلى أخرى باختلاف ظروفها وتقسيماتها وتنظيم العمل فيها. وأتصور أن المدير يحسن صنعا إذا قصر اتصاله المباشر على مرؤوسيه المباشرين، والرجل العادي لا يستطيع أن يمارس الإشراف على أكثر من خمسة أو ستة أشخاص. ولتخفيف العيوب التي ينطوي عليها هذا الأسلوب فإن من الضروري أن يتصل المدير اجتماعيا بأكبر عدد ممكن من موظفيه. ومن الأعباء الإدارية الثقيلة التي ينوء بها كاهل المدير التحدي المرتبط بإصلاح جهازه الإداري. ومن هنا كان على المدير أن يتعامل مع البيروقراطية بحزم، وأن تكون مخططاته للإصلاح مدروسة ومرحلية. من المهم أن تكون في ذهن المدير أولويات واضحة. الفساد الإداري كثيرا ما ينبع من تعقيد الإجراءات وطولها، ولذلك فإن مراجعة الأنظمة واللوائح، بهدف تبسيطها وتسهيلها عملية فعالة من عمليات الإصلاح. ختاما: اسمحوا لي أن أقول لكم إن المدير وهو يواجه مشاغله وأعباءه المتصاعدة، لا يستغني عن وقوف الموظفين بجانبه، بدعواتهم وأفكارهم واقتراحاتهم وانتقاداتهم. إن الإدارة رغم ما يحيط بها من بريق يخطف الأبصار ويجذب الطامحين، مهمة عسيرة بالغة الصعوبة، لا تتعايش معها راحة ولا سكينة.