الإنسان بفطرته مجبول على الاجتماع والاستئناس بغيره من «إخوة، أبناء، أهل، أحباب، أقرباء، جيران، أصدقاء، وزملاء»، سياج تكاتف من الاجتماعات، مزركشة بالضحكات، مطعمة بجمال الحوارات، أحاديث شيقة، تبادل أفكارٍ، والأخذ بالآراء السديدة، طرح مشاكل وإيجاد حلول، مشاورات ومداولات في بعض الأمور، وتناغم في الأقوال والأفعال، يا لها من علاقات متينة تحكي عن زمن الأخيار. تشدهم روابط قوية، أواصر محبة ومودة بين ثناياها الاحترام والتقدير، ممزوجة بالتسامح والتغاضي والعفو، والإصلاح وإنهاء الخصومة، نعم بيوت متقاربة وقلوب طيبة متآلفة، أرواح طاهرة ونفوس لا تعرف طريق الحسد والبغض، هكذا كان الاجتماع والتواصل فيما بينهم. إلا أن التقدم الحضاري «والتكنولوجي» غير كل شيء، تباعدت المباني، تنافرت الأفئدة، شحّت الأنفس، تبدلت الأخلاق، فانقلب حال البعض في تلك الاجتماعات، لتظهر «آفة لسانية» غير محمودة في المجالس، ليتسابق البعض في بذاءة اللسان، ويصبح لهم شأنا في كل مقام ومقال، صولات وجولات، لا غنى عنهم، بل يشار لهم بالبنان، وأيهم يحتل الصدارة بفحش كلامه، ومن يحفظ أكبر حصيلة لُغوية من قذارة الألفاظ، والتعليقات الرديئة، ظنا منهم أنه من الترفيه والتسلية، أو أنه من باب الدعابة وإضحاك الجالسين وامتلاك قلوب الحاضرين، فيخوضون في الكلمات الفاحشة، بعض الأفعال الماجنة، والحروف اللاذعة، لا يبالون بما يقولون ويفعلون، كأن الثرثرة والتفيهق وسيء القول فاكهة المجلس لديهم للأسف الشديد، فقد غفل الكثير عن مزالق «لسانه» الذي ينفث بعض سمومه بين البشر. يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)، نعم إذا استقام لسان المرء استقامت جوارحه، وإن أعوج لسانه اعوجت باقي جوارحه، وهناك مثل لم يُطلق جزافًا، ألا وهو: «كل إناء بما فيه ينضَح».. فحين يمتلئ جوفهم بالعفن، فإنه يعكس عقليتهم، نفسيتهم المريضة، أحاديثهم الآسنة وأساليبهم الرخيصة، يقول، صلى الله عليه وسلم: (وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني في الآخرة أسوأكم أخلاقا الثَّرْثَارُون الْمُتَفَيْهِقُون)، إذن القبح في الحديث والوقاحة في الكلام مما يبغضه الخالق ويمقته ويعاقب عليه. نسأل الله تعالى أن يحسن أخلاقنا وأفعالنا، ويزينا بزينة الحلم، ويجمّلنا بجمال الصبر، ويلطف بحالنا، ويجعل ألسنتنا عامرة بذكره وشكره وحسن عبادته، اللهم جنبنا فساد القلب وموت الضمير وسوء الخاتمة. همسة: احذروا «اللسان» فإنه من أعظم الجوارح خطراً على مر الزمان، ذلك اللسان الذي أهلك وأهان ودمر الأحباب وفرق الخلان.