تخيل أنك تمتلك كوبًا جميلًا عزيزًا عليك وقام أحد المقربين منك بكسره، هل تظن الكوب سيعود جميل كما كان؟ حتى وإن حاولت تجميع أشلائه، وهل تظن أن بإمكانك التعامل بشكل طبيعي مع كاسره؟ بالتأكيد لا، هذا مجرد شيء مادي، فماذا عن الخاطر إن كُسر! إن أشنع جريمة قد تقع في العالم، كسر القلوب وإن أفضل عمل قد يقام إحياء روح، لا تستهينوا بكسر الخواطر فإنها أن كسرت لا ترمم! كلمة تتفوه بها قد تنجي غريقا من الموت، ابتسامة بريئة في وجه أحدهم تغنيه عن العالمين، لم يضع الإسلام هذه اللطائف الصغيرة إلا وكان لها أجر وأثر عظيم فلا تصد نفسا مهزومة لجأت إليك، وأزيدكم من الشعر بيتًا «الجذعُ يحنو لمن به يتعطفُ، والقطُ يدنو إلى من معه يلعبُ، والقلب يحبُ من كان لخاطره يجبرُ». قد فطر الإنسان على حب من أهتم به، من خشي عليه من الحزن، من سأل عنه وقت غيابه، ومن لم يهن عليه تحطيمه، وخير من نهتدي به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلكم مقتطفات من سيرته الحسنة «أتى فقير إلى محمد- صلى الله عليه وسلم- وقدم له قدحا من العنب وأهداهُ له، فتناول الرسول منه العنب حبة تلو الأخرى وهو يتبسم في وجه صاحبه فسعد الرجل وتعجب صحابته أن الرسول لم يشاركهم العنب فهو كريم معهم دائما، حتى فرغ النبي- صلى الله عليه وسلم- من قدح العنب فقام الفقير وهو في قمة فرحته، فسأل الصحابة نبينا عن سبب عدم دعوتهم لتناول العنب معه. فقال؛ لقد كان العنب مرا فخشيت أن يصعب عليكم مذاقه فتتلفظون بما يحزن الفقير. يا لعظمة خلقك يا رسول الله تحملت مرارة العنب حتى لا تحمله مرارة الكلمة. ومما قيل عن الجبر: «يا صديقي لو أرادك الله صلباً لخلقك صخرة، لكن لين الطين فيك كان مقصوداً». وما قيل عن أثر الكلمة: «يُذكرُني أحدهم بأن قلبي طيب، فينبتُ لي جناحان». ومن هنا نعي أن الكلمة سلاح فتاك هدام للآمال لننتقي أحرفنا ولا نؤذي الأفئدة لنقل خيرا دوما للناس أو لنصمت، فو الله لا ألم يعادل ألم الأسلوب المتعجرف والعبوس عند لقيا الناس، مثلًا لو قال لك شخص ما أقبح زيك هذا! يا عديم الذوق ونعتك بأنك لا تحسن اختيار الثياب، ستتدمر قلبك ولن تقبل منه كلاما بعد هذا الموقف، ولكن إن قال لك تبدو جميل المظهر أنيق الإطلالة فقط اللون غير متناسق، ما رأيك أن تختار لونا أفضل؟ ستكون سعيدا متقبلًا نقده لأنه أحسن اللفظ والأسلوب. أحب لغيرك ما تحب لنفسك مهما كنت غاضبا ومزاجك غير صاف، لا تنطق إلا ما لا يحزن، ولا تفعل إلا ما لا يجرح، تأكد سيعود عليك الطيب بالطيب ولن يضيع الله عملك. يحب الناس التلطف في القول يحبون سماع ما يسعدهم عن أنفسهم، لا تنافق ولا تكن وقحا إنما كن بينهما، دع حديثك لا يخلو من الكلمات المزينة بالحب. هدمت بيوت بسبب فتيلة منطوق، وبنت قصورا بسبب نبتة كلمٍ عذب، يهون المرض إن أمسك يدك حنون ويصيبك السقم لو تحسست من شخص الثقل في معاملته، ولو طالت الأحرف ما بلغت وجع كلمة قائل، ولا غنت عن فرحة قلبٍ بضحكة فردٍ غامرة. وفي الختام أحسنوا العمل والقول ولا تستزلوا المرء ولا تسخروا منه، ولا تتجاهلوا عن قصد أو بغير قصد، وتذكروا دمعة الأفئدة بشوائب التلفظ ، وأكرموا كل من فعل معروفاً، وراضوا كل بائس، وشاركوا الناس مفارحهم وضمدوا خدوش الوجدان بأفواهكم، ولا تنخدعوا بتغاضي المتألم عنك، فهو قد يتناسى ولا ينسى فعلتك، واحذروا كسر الخواطر.