بعد كل تلك العربدة والاستعراض وتفتيل العضلات بالطائرات المسيرة والبالستيات، المدموغة بالصناعة الإيرانية، تماماً كما هي العقيدة الإثني عشرية الدخيلة على المجتمع اليمني والمستوردة بدورها من إيران، أخذ الحوثيون الغرور والزهو وتضخمت الذات عندهم فاعتقدوا أنهم عبدوا الطريق للنصر النهائي فماذا فعلوا؟ ارتكبوا خطأ عسكرياً قاتلاً بإلقاء كل ثقلهم الآلي والبشري في قلب مأرب على أمل تحقيق نصر سريع وحاسم على طريقة العسكرية الإسرائيلية، أحرزوا تقدماً في الأيام الأولى، مما حدا بهم إلى الدفع بكل إمكانياتهم في ساحة المعركة، فماذا كانت النتيجة؟، أصبحوا هدفاً مكشوفاً وكثيفاً لطائرات التحالف، والتي لم تعد بحاجة لإحداثيات يزودهم بها الأمريكان، فالهدف مقروء وتحتهم بأشبار، ولا مجال هناك لترف الانتظار، لأن الحوثيين وضعوا التحالف أمام خيار صفري: أكون أو لا أكون، وهذا هو الخطأ الإستراتيجي الآخر الذي ارتكبوه، فحين تلجئ خصمك إلى هذا الركن الضيق سيدافع باستماتة واستبسال واستيئاس لا هوادة فيه. وهذا ما حدث بالفعل على الجبهة البرية، شحذ اليمنيون هممهم واستنهضوا أرواحهم في مواجهة الحوثي، الذي هو بالنسبة إليهم ليس مواطناً يمنياً، بل هو غاز ومحتل، لأنه ببساطة يلبس لبوسه ويتزيا بزيه، فمشروع الحوثيين أصلاً هو مشروع عقائدي هجين بالنسبة لليمنيين، فالزيدية غير الإثنى عشرية، بل تتناقض معها جذرياً في الأصول والمبادئ. لذا كان المشروع الحوثي مشروعاً محكوماً بالفشل منذ البداية، وكان نجاحه المؤقت تسللاً من خلال شقوق وثغرات الخلافات السياسية التي تتنازع الساحة اليمنية والموروثة أصلاً من عهد صالح وما قبل صالح، خاصة النزعة الاستقلالية لدى الجنوبيين التي لعبت عليها الإمارات دون أن تدرك أنها بذلك قد تكسب المعركة ولكنها ستخسر الحرب لا محالة. ولذلك فقد أعادت جبهة مأرب الأمور إلى نصابها، لأنها أيقظت الوعي الوطني اليمني، لأنهم أدركوا أنهم لو خسروا مأرب للحوثيين، فهذا يعني خسارتهم لليمن كلها، وأنهم لن يكونوا إلا عبيداً أو أشباه عبيد لدى الحوثيين في أحسن الأحوال. حين جعلت إيران اليمن هدفاً عقائدياً، لم تقرأ التاريخ جيداً، فحين سقطت الإمامية على يدي جمال عبد الناصر في ستينيات القرن الماصي كان ذلك مشروعاً نهضوياً قومياً لقي هوى في نفوس اليمنيين، لأنه ببساطة يعني التحرر من عبودية الفرد والتخلف الإمامي، وهذا ما حصل بالفعل. فكيف سيقبلون بالعودة إلى الحظيرة الإمامية العقائدية بعد أن أدمنوا الحرية واستساغوا مذاقها. ولم تدرك إيران بعماها الطائفي أن التدين لا يطفئ الشعور القومي والانتماء الوطني، فتعاملت مع الحد الواحد وراهنت عليه، معتمدة على أن التدخل السعودي سيصم المقاومة اليمنية بالعمالة وممالأة العدو الإسرائيلي، هذه القراءة الخاطئة قادت الحوثيين إلى سلسلة من التصورات الخاطئة حول طبيعة المعركة حتى سقطت أخيراً في هوة مأرب التي أظنها لن تخرج منها.. بل ستكتب نهايتها هناك.