معلم ذو خبرة تربوية عالية، مارس التدريس لعشرات السنين، وصف عقل المتعلم كالإسفنجة تمتص كل سائل يتصل بها. والمعلومات هي السائل الذي يمتصه المتعلم بعفويته عن ظهر قلب دون عقل، وهذا مصداق لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما ينتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها»، ثم قرأ أبو هريرة: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾، وفي لفظ آخر: «ما من مولود إلا يولد على هذه الملة». عقول أبنائنا أمانة فكيف نغذيها من الصغر بغذاء نافع مفيد كما نهتم بغذاء الجسد؟ ومن المسؤول عن الحفاظ على هذه العقول؟ وكيف نجعل عقولهم كالزجاج تقبل ما وافقها وترفض ما خالفها؟ وليس كالإسفنج يمتص كل ما يتصل به. وعليه لا بد من تربية الطفل تربية شاملة والعمل على بناء شخصية متكاملة حتى يصبحوا مؤهَّلين لمواجهة الحياة وأزماتها ومشكلاتها، فالبيت والمجتمع والمدرسة وأجهزة الإعلام هي أهم مكونات ثقافة الطفل، وتؤثر تأثيرًا كبيرًا في تربيته وصنع مستقبله من خلال زرع القيم الإسلامية في نفوس النشء، لأن قيم الدين الإسلامي الحنيف تستهدف إقامة علاقات طيبة وفاضلة بين الإنسان وربِّه، بتأدية حق الله سبحانه وتعالى والالتزام بالأوامر والنواهي الربانية وأداء العبادات المفروضة، كما تستهدف إقامة علاقات طيبة بين الناس بعضهم بعضا، فيعرف الالتزام بواجباته نحو الآخرين، كما يعرف الحقوق التي له تجاه الآخرين أيضا، كما تستهدف إقامة علاقات طيبة بين الإنسان ونفسه فينهض بما يمليه عليه ضميره، فيشعر بالرضا عن ذاته في عصر التمزقات والتوترات النفسية الشرسة، وهي التي يكمن علاجها في الإيمان بالله تعالى وممارسة شعائر الدين الإسلامي الحنيف. إن مناهجنا المدرسية فوق مستوى إدراك الطفل فلا تلبي احتياجاته ولا تشبع رغباته، فنحن بحاجة إلى تعليم الطفل المعارف الوظيفية التي تفيده في حياته، وأن نبتعد عن الاختبارات والرسوب والنجاح بأن يتخرج الطفل في المرحلة الابتدائية على الأقل وهو يمتلك مجموعة من القيم الأساسية، وإذكاء روح الإبداع والابتكار لديهم والتعبير عن الرأي والتجريب والنقد والحوار والإقناع والتأمل. ولا يمكننا عزل الطفل عن التقنية وعن كل ما هو جديد مع ما تحمله من أخطار عند سوء الاستخدام والإفراط في الاستعمال، بغرس المراقبة الذاتية وتقنين استفادته منها بما لا يؤثر فيهم بالتوجيه والإشراف وتعويدهم على الانضباط، وتسخيرها للنهل من العلوم المختلفة، ومواكبة التقدم التقني والتدفق المعرفي.