تجاوز السجال والنقد والتشريح للحداثة أو الاحتفاء برموزها ونتاجهم الفكري والأدبي أروقة جامعة القصيم إلى أمسيات النادي الأدبي، حيث شهد أدبي القصيم أخيرا مواجهة أكاديمية شيقة مست معتقد الشاعر الفلسطيني محمود درويش ومدى استغلاله من قبل الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي، وحقيقة تأثير شعره على قدسية القرآن الكريم. واستغل أستاذ النحو والصرف المشارك بجامعة القصيم الدكتور سليمان خاطر المحاضرة التي ألقاها أستاذ النقد والأدب في نفس الجامعة الدكتور مصطفى بكري بعنوان "محمود درويش.. الشاعر والقضية" بمقر نادي القصيم الأدبي مساء أول من أمس بمدينة بريدة، ليعيد فتح ملفات السجال والتعارك الفكري الذي تعيشه مكاتب وأروقة الجامعة بينهما. وبدأ الدكتور خاطر مداخلته بسرد حالة التعجب التي انتابته مع أول لقاء له بالدكتور بكري في جامعة القصيم كزميلين، بقوله "تعجبت من ذلك الشيخ التقليدي بشكله، الحداثي بمضمونه، من تتبعه لمنتج رموز الحداثة" وما يخص الشاعر الفلسطيني محمود درويش بالتحديد، ومدى علمه بما يحوم حول درويش من شبهات وأقاويل تمس معتقده الديني والأثر السلبي لنتاجه الشعري على رموز المجتمعات الإسلامية بأكملها. خاطر واجه بكري بالكثير من التساؤلات الإنكارية حول الشاعر محمود درويش، وما ثبت حول معتقده الماركسي، وجهوده الكبيرة والمبالغ فيها في تمييع الفوارق البلاغية والأصولية بين بنية القصيدة والنثر، والأثر السلبي الكبير الذي قد ينعكس على قدسية القرآن الكريم، والمساس بحرمته وتنزهه عن الشعر، إضافة إلى تساؤله عن السر من وراء الاحتفاء الكبير الذي يجده الشاعر درويش في المحافل الشيوعية والغربية وحتى اليهودية في بعض الأحيان، مستشهدا بالمنحة الدراسية التي حصل عليها درويش في روسيا، لدراسة معتقدات وأفكار الشيوعية، وهو ذلك الشخص غير المتخصص، ولا الطامح للارتقاء الأكاديمي والجامعي. وقدم الدكتور مصطفى بكري قراءة نقدية لقصيدة "مديح الظل العالي" التي أهداها الشاعر محمود درويش عام 1983 لبيروت بعد اجتياحها سنة 1982، وتناول الخصال الفنية والأسلوبية التي أبدع فيها درويش، مبينا أنها مقومات ساهم من خلالها درويش بنقل مكونات الفكر العربي لتتجاوز الوقوف حول أبي تمام والأندلس، لتحط الرحال على واقع الأمة المعاش في الوقت الراهن. بكري في معرض تفنيده للمداخلات التي أعقبت محاضرته حول درويش لم ينكر أن اهتمامات المؤسسات الفكرية الغربية واليهودية بمحمود درويش قد لا تكون مبرأة، مؤكدا أنه معني بالفن والموهبة، وما وصلت إليه اللغة في شعر درويش، إذا ما علمنا أن تلك الفنون ذوقية متفاوتة، فلا مجال للخلاف والاختلاف في أمر ذوقي. كما شدد بكري على أن القرآن الكريم وهو الكتاب المحفوظ، أعظم من أن يؤثر عليه طرح شاعر أو تذوق ناقد.