منذ سنوات مضت، والحديث عن أهمية الإرشاد ودوره وقيمته وأهميته، من المسلمات المتفق عليها من الباحثين والدارسين والمختصين، والممارسين والمستفيدين، إلا أن نظرة لسبر الواقع والغوص في عمق عالمه، يلمس أن مستوى الرضا لا يحقق القبول، كأول مرحلة من مراحل الأداء التي نطمح إليها. وكل ذلك ينثر أسئلة على دروب المعنيين حول الإرشاد، بدءاً من وجود التخصص كدراسة أكاديمية، أًو استحداثا للوظائف يلبي احتياجات سوق العمل، مروراً بالتطوير والتدريب واختيار عناصر القيادة فيه، والبرامج المقدمة للمستفيدين، وانتهاء بضعف قياس الأثر لدى المستفيدين. ولعل هناك أسئلة منطقية تطرح للإجابة عليها: هل نحن بحاجة إلى الإرشاد الطلابي؟ هل نحن نملك المتخصصين في مجاله ؟ هل تم تسديد الاحتياج له وتوفير الوظائف للجهات الطالبة؟ هل هناك قناعة للمسؤولين بالبرامج الإرشادية المقدمة ؟ هل هناك دعم لبرامج الإرشاد النوعية التي نحتاجها ؟. وكل هذه الأسئلة يرتفع منسوب الاتفاق عليها بإجابات الأغلبية، من ناحية الأهمية والنتائج التي يتم تحقيقها. والسؤال الذي يمر سريعاً دون الإجابة عليه بعمق، وبُبعد هو لماذا الإرشاد؟ الإرشاد ليس حديثاً منمقاً أو تعبيراً محسنا، أو إضافة لا قيمة لها أو منطقة عملية للراحة والارتياح، أو أنه منتجع للكسالى والباحثين عن المهمة الأقل جهداً. الإرشاد هو منهج وقيمة وأثر، وتربية وقدوة ومنبع من منابع الخير والعطاء، به تساعد الغير ومن خلاله تساند المحتاج، وتعزز الناجح والمتميز، وهو يمثل صورة حسنة وقيمة فعلية في التكاتف والتآلف والتناصح بين الجميع، وهو مدرسة متنوعة يقدم دعامة أساسية للاتجاه السليم والطريق النبيل. ولعلي هنا أضع بعض المرتكزات، التي أراها جديرة بالوقوف عليها ومنها: 1- قيادة الإرشاد.. أميل كثيراً إلى أن العمل القيادي ليس بالضرورة أن يكون مختصاً فنياً، بل أميل بقيمة الإدارة كمهارة، ودراسة، وتدريباً، وممارسة. ولعل هذا الجانب أخذ الكثير من اهتمامات المؤسسات التربوية والأجهزة المعنية، حتى وصل الأمر إلى قناعات مطلقة بأن الإرشاد لا يؤدي دوره ولم تتم المراهنة على النجاحات المستقبلية له. 2- ضعف الدعم المالي للبرامج الإرشادية..اقتصر التعاطي مع البرامج الإرشادية على دور المتطوع وعلى التعاون مع بعض الجهات، وقد تسبب ذلك في ضعف البرامج المقدمة، وتراجع تقديم الكثير من البرامج النوعية. التي تحتاج إلى دعم يتناسب مع كل مشروع، لأن برامج الإرشاد تستهدف الإنسان بجميع مراحله، وتهتم بدوره وأدواره، وهو يصنع في هذا الجانب تكلفة تراكمية تتطلب الكثير والكثير. 3- عدم استكمال الاحتياج.. إن فقدان الممارسات الإرشادية المتخصصة ساهم في الانطباع غير المناسب في دور الإرشاد، وذلك بإسناده للبعض الذين هم غير قادرين على التعامل معه، ومسايرة الجهد المبذول، بل أخشى ما نخشاه أن يكون الإسناد للبعض مساحة راحة وتخفيف، وهذا قد يساهم في وأد عمليات الإرشاد، ودوره، وأهميته، وقيمته. 4- غياب التخصص.. وهو سبب رئيس دفع إلى الاستعانة ببعض الفضلاء من أهل الخير والصلاح في العمد بهذا الجانب، لكن الإرشاد ليس وعظاً وتوجيها، بل هو ممارسات علمية ومهنية، تتطلب التخصص والاطلاع على الدور التكاملي. 5- ضعف الإثراء النوعي من برامج أكاديمية وفكرية، وإعلامية، وصحية، واجتماعية. ويمكن القول إن العمل على الإرشاد يتطلب الوقوف واقعاً، والتشخيص له من خلال ما يلي: 1- وضع استفتاء عام على رابط إلكتروني، يحدد مدى الرضا عن الإرشاد الإلكتروني من وجهة نظر العاملين والمستفيدين والمستهدفين. 2- حصر الاحتياج من قبل المختصين والعاملين في الإرشاد، وهو حصر يختص بالمتطلبات الرئيسة للبرامج والعاملين. 3- سد الاحتياج من الكوادر المختصة في هذا الجانب. 4 - وضع خطة إستراتيجية الإرشاد، تتيح الفرصة لمن يرغب في تقديم البرامج، وتتم دراستها من قبل المختصين. 5- الحاجة إلى مبادرات نوعية مع المؤسسات والشركات والقطاع غير الربحي. 6 - أهمية إثراء العمل بالواقع والمستجدات والتطورات مثل: الهندسة الاجتماعية، وواقع العالم التقني والافتراضي.