لكل منا أحبة يجلهم ويقدرهم، ولكنهم رحلوا عن هذه الحياة الفانية، وبقيت ذكرياتهم الجميلة تسكننا، وقصصهم تسافر في أذهاننا في كل يوم، ولحظاتهم الجميلة تُزيّن مجالسنا في كل لحظة، كما تقول الحكمة «الموت لا يغيب إلا الأجساد المنسية، أما القلوب النابضة بالحب، فتبقى ذكراها أبدية». نستذكر في بعض مجالسنا الكثير من طرائف بعض أحبتنا الذين خطفهم الموت منا بلا ميعاد، فنسترسل بشغف في سرد أحاديثهم، ووسط تلك الضحكات نترحم عليهم، ليضحكونا في حياتهم، وبعد وفاتهم. أعتقد أنه لا تضحكنا تلك النكت إلا لأنها خرجت منهم، ونحن نسرف في تلك الضحكات نجذر معنى محبتهم التي تسكن قلوبنا. نحن نضحك للتواصل العميق بيننا وبينهم، نضحك لعمق أرواحنا المتعانقة في السماء، نضحك للأواصر العميقة بيننا التي لا تنتهي بالغياب الدنيوي، وإنما تمتدّ لعوالم عصيّة على الانقطاع والنسيان. نضحك لأطيافهم الحاضرة معنا، الساكنة فينا، الطائرة في فضاءاتنا الضيقة أو الواسعة. نعيش في ذكرياتهم وكأن حياتهم انقسمت إلى شطرين: جسد غادرنا وروح بقيت معنا، تُضفي على حياتنا أجمل معاني السعادة، وتخفف عنا حزن الغياب، وتمضي معنا في كل مكان، لتشكل بذلك معاني مختلفة للموت الذي لا يعرف النهاية. حقا.. كيف يمكن لمعنى الموت أن يتحول من سرادق الحزن إلى لحظة من لحظات السعادة؟، وكيف يمكن للموتى أن يمنحونا الفرح أكثر من بعض الأحياء؟. هنا تتجلى غرابة الدنيا عندما تجعل الموتى يضحكوننا، وهذا يؤكد أن الموت ما زال يحمل في أعماقه أسرارا لم تُكشف بعد. حكمة المقال: يقال: البُعد أخو الموت!، فهل يدل هذا على أن الموت يحمل أشكالا متعددة؟.