تعرفت عليه في مجلس، وتجاذبنا أطراف الحديث، ثم رآني في اليوم التالي وسلّم علي بحرارة، فقلت له: عفوا ما عرفتك!. وصديق آخر توفي والده وعزيته هاتفياً، فلما التقيته بعد شهر سألته: طمني كيف صحة الوالد؟!. تتكرر معي مواقف عديدة لا أخالها، إلا أن ثمة أعراضا نفسية ناتجة عن ضغوطات الحياة أدت إليها: فعندما يشك المصلي بعدد الركعات يكون فارق الشك ركعة، أي هل صلى الظهر - مثلاً - ثلاث ركعات أو أربع..عندها يبني على اليقين وهو الأقل ثم يسجد سجود السهو. أما أنا فأشك أحياناً هل صليت ركعتين أم خمس ركعات! فأي سجود يُجبر هذا السهو ؟! وصارت النكات السامجة تستطيع إضحاكي من صمصوم قلبي. كما أن التفاصيل التافهة كمنظر رجل يعبث بأنفه، باتت تستفزني أكثر من حروب وكوارث الدنيا بأسرها ! وكلما رأيت كرة في الشارع أشتهي أن «أشوتها» وأخرِج «ميسي» الذي في داخلي.. تعدى الأمر إلى الرغبة ب «شَوت» كل ما يمكن «شَوته»: علبة - زجاجة - غطاء - حجر - قطة - إنسان -... - إلخ. ياله من وضع متأزم. وإذا سمعت رنة الجوال يكون وقعها علي كوقع صافرات الإنذار. وإذا اشتريت ثوباً جديداً أو قمت بتفصيله، أمر على جميع زملائي ممن أعرفهم أو لا أعرفهم، وأسلم عليهم ليروا ثوبي الجديد !. وقد يضيع مفتاحي.. أبحث عنه.. أين وضعته يا ترى.. ينتابني توتر، لأكتشف أنه بيدي!، وأترك الجوال بجانبي لأنام ثم بعد ثوانٍ تتسلل يدي إليه، وتمسكه لأتصفح التطبيقات، ثم أضعه ثم بعد ثوانٍ أمسكه وهكذا. هموم الحياة ومشكلاتها وتسارعاتها وتناقضاتها، أدت إلى التشتت، فصار من المهم أن ننتبه إلى صحتنا النفسية وتدارك ما يمكن تداركه، قبل أن يستفحل شأنها ويفوت أوان علاجها. قيل لحكيم: هل تحتاج إلى طبيب نفسي؟ قال: نعم.. أحتاجه كثيرا. قيل: وما ذاك؟ قال: أفقد أعصابي لأجل كرة قدم، وليس لي فيها ناقة ولا جمل، فإذا انتصر فريقي «وقلَّما ينتصر» فرحت وكأنَّ نصرا عظيما وفتحا مبينا قد تحقق، وإذا خسر ضاق صدري كأنما يَصَّعَدُ في السماء، فيزداد حزني ويشتد ألمي «وما أحد درى عني»، وكأنَّ الخسارة تجسيد لخيبات حياتي، التي أتبلد إحساساً مع بعضها!. ثم إنّ الحكيم ذهب مع السائل إلى الطبيب النفسي، فوجداه يحتسي القهوة تارة ويصورها تارة أخرى، ويحك أذنه بمفتاحه، ويتحدث هاتفياً متذمراً من اللاعب الذي تسبب بخسارة فريقه!.