حين يحكي أحدهم قصة، فإنه في الغالب إما أن يسترجع من الخبرات الشخصية السابقة، أو أن يحكي من خلال معرفته العامة بالعالم المحيط، وذلك بحسب ما ذكر عالم النفس البريطاني فريدريك بارتليت (Frederic Bartlett) في كتاب صدر بالثلاثينيات عن دار جامعة كامبريدج للنشر، إذ أن الاختيار بين الاعتماد على الخبرات السابقة أو الاعتماد على المعرفة العامة البديهية، في أثناء الحديث، يحدده اختلاف القصة التي يتم ذكرها، ومدى كون القصة حقيقية أو خيالية. سمات القصة الخيالية والواقعية قد لا تكون جلية للقارئ في بعض الأحيان، خصوصا إذا كانت هناك احتمالية أن ما يرد من أحداث في الرواية قد يكون فعلا صحيحا، ولذا نجد في بعض الروايات أن الناشر ينوه بأن ما يرد من أحداث هو من نسج الخيال، حتى ولو كان مشابها للواقع. ولهذا، فإن التمييز بين هذه النوعين من القصص يعد ذا أهمية. ولدراسة خواص القصة الخيالية والحقيقية، تم تشكيل فريق بحثي مكون من شركة مايكروسوفت (Microsoft)، ومعهد «آلان» للذكاء الاصطناعي (Allen Institute for Artificial Intelligence)، وقسم علوم الحاسب بجامعة واشنطن (University of Washington)، وقسم علم النفس بجامعة تكساس (University of Texas). هذا الفريق البحثي بدأ في دراسة إمكانية جعل الكمبيوتر يميز بين هذه النوعين من القصص، وبالتالي إمكانية بناء أنظمة يمكنها فرز ما يرد من قصص في وسائل الإعلام، أو مواقع الإنترنت، وتحديد ما يعد حقيقيا منها مما هو من نسج الخيال، إذ إن لمثل هذه الأنظمة أثرا كبيرا في محاربة الشائعات والأخبار المغلوطة أو المزيفة. عمد الفريق البحثي إلى دراسة الخواص اللغوية للقصص آليا، وذلك بتحليل أكثر من سبعة آلاف قصة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. وقد وجد الباحثون أنه بالإمكان بناء نماذج منطقية يمكنها تمييز الفوارق بين القصص. وقد وجدت هذه الخوارزميات أن السرد القصصي يختلف بين القصة الحقيقية عنه في الخيالية، حيث وجدت التجارب أن الجملة في القصة الخيالية تكون أطول من تلك في القصص الحقيقية. كما أن البناء اللغوي في القصة الخيالية يكون مترابطا أكثر منه في القصة الحقيقية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الخوارزميات وجدت أن القصص الخيالية تحتوي على كم أكبر من المعلومات البديهية العامة، بينما القصص الحقيقية تحتوي على عدد أكبر من الحقائق. وبتحديد هذه الخواص، تم بناء أنظمة، لقياس خواص السرد الروائي في أي قصة آليا. وعلى هذا الأساس، أصبح بالإمكان تمييز القصص الخيالية من الحقيقية والواقعية آليا.