ها هي الأيام حبلى.. تمضي كأنك لم تكن أثراً ولا خبراً وغداً.. تُنسى، ولن يبقى بعدك سوى طيف ذكرى، واستنزاف دموع عجلى.. وتلاوة اسمك في الدعاء حيناً، وحيناً تُنسى.. لن يبقى معك سوى رصيد عمرك.. صحتك.. عطائك.. عملك.. أثرك.. ذكرك الجميل.. ثم ماذا؟! تُ ن س ى. لن يبقى معك سوى صاحبك الصاحب، وسيد موقفك الثاقب، وظلك الحاجب، وحدسك الصادق، وعزمك الصائب، ومنارك الجاذب. «ضميرك الحي» الذي تم اكتساب الاستجابة له منذ الصغر فتأثرت به الشخصية ثقة واتزانا، وكفاءة وحسن تنظيم، وهو الذي يعمر بالحياة ذكراً وإحساناً وطاعة، ويفيض بالقلب قوةً وإيماناً ومنعةً، ويزيد بالطاعات، ويضعف بالسيئات، فتراه يمنعك قبل الخطأ بخطوات، ويصدك عن المنكر بساعات، فيطفىء لهيب الهفوى، ويمحو أثر كل نزوى، ويحررك من اتباع الهوى، ويجعل أثرك مقتفى. ضميرك الحي بجليل الشكر لله، ودوام الذكر لله، فهو نعمة لم تصيبها نوائب الغفلة. ضميرك الواعد بتعديل الاعوجاج، والبعد عن المراء والاحتجاج هو سندان الحق فلا تزغ عن عظمته. ضميرك الصافي وصوتك الدافي الذي لا يسمعه سواك، ولا يهابه إلاك هو ترجمان قوة الإيمان. فكلما تحركت شارة ذلك المنبه الحي انتقلت الشخصية من الفوضوية، والعيش بعفوية إلى التنظيم بجدية، والسمو بتفاصيل الهوية، وارتسام الثقة مبدأ لقوة الشخصية، وكلما تسامت النفس لرسم أهدافها بخطى ثابتة تجد في ضميرها الطموح قصة البطولة نحو مستقبل «اليوم جميل.. وغداً أجمل». غداً يبقى ذكرى سعيدة، ومجد لقصة مجيدة إذا ترجمها الضمير لأفضلية المصير.. غداً تبقى مآثرك حاضرة، وسيرتك بنسيم العطاء آسرة إذا ما أوكلت الروح لمولاها، والنفس لضمير بالخير يرعاها. غداً سوف تبقى لأن قلبك بحب خالقه صدوق، ومن خشية عقابه على نفسك شفوق، فتنجو أبداً بتقواه وتنال بالإحسان رضاه. غداً تبقى إذا أقدمت على عمل التطوع ولو باليسير، فمسحت دمعة كسير، وكنت للمسكين خير نصير، وكنت يداً يمنى للضرير، وكنت لليتيم حضنا قرير، وكنت للفقير غيما مطير. غداً تبقى رمزاً للإنسان بغرس نبتة، وسقي حيوان، وزرع بسمة، وسندُ إخوان، ورسم فكرة، وتبني موقف، وبث حكمة، وصون فضيلة، ونشر للخير بكل وسيلة. غداً تبقى إذا بقي بقربك الضمير، وربما غداً تُنسى إذا أعدم الضمير في ساحة التهجير.