علاقة السماء بزرقة البحر.. خطوات الطفولة الأولى قبل اليقين الذي أسميناه راشدا.. حاجة الزرعة إلى تمثيل التربة .. ربطة النمر على كتفي جبله الأزلي.. غزل سنابل الحنطة السمراء ورياح السراة.. حنين الشاء إلى ألحان الراعية.. إرادة المطر.. مغزى الابتسامة إذا درّت بها شفتان ملتهبتان شوقا وحياة.. دبيب الصعلوك في جنبات أصدار تهامة.. طرب الشجي والخلي.. فرحة المنتصر وقناعة المستضيف.. كل هذا يعني حاجة القلم إلى الكتابة، فماؤه هو ماء الحياة وشبّابة الصبا.. كنت أمة لها شيخ واحد، والعلاقة محدودة بالجد السابع، والثامن غربة!. واليوم - وقد أغواك المثقفون بالكتابة - عليك مراعاة قروية العالم، والعلم بأن تراث قريتك التي تجارّ المدن البخارية تراث عالمي إظهارك إياه يعني إضافة ثقافة إلى ثقافية قرية العالم. أقول هذا لمن أحبوا الزاوية منذ ولادتها، وعبر جولاتها في ثلاث من الصحف، وطالبوني بالبعد عن الريفية على اعتبار أن التيار تمدّن عنها كثيرا!. وصارت المشاعر مع قضايا الرصيف وزوايا الزحام البشري. ولا أخفيهم أنني لم أستطع الخروج عن قرويتي وجبليتي، على الرغم من اقتحامهم هذه القروية الهادئة بلا جهل، المرتاحة بلا غباء. لا أخفي أحبتي الذين ناقشوني في أسلوب الطرح في الزواية، من جنوبنا الأخضر، وحجازنا الرائد ونجدنا الحبيب.. لا أخفيهم أنني أحبها حبي أشجار القرية المعمرة... وأخاف عليها خوفي على من بقي من الراعيات من تجهيلهن في جامعاتهن.. وخوفي على من بقي من صعاليك تهامة والسراة. فالمتابعون لها لم يتابعوا اسما يحمل ترويجا إعلاميا لأحد، أو نقطة جذب تجاري لرواج الجريدة، بمقدار ما هي عينة تمثل كلمة أمام وطن هو أبو الأوطان، يحوى أم القرى لا أم المدن.. وحبوني صفات مجردة شرفوني بها أكثر من ملكي إياها. ثم إن الغربة إلى الريف - في عصرنا - معشوقة الجميع، ونحن لا نطبق لها هجرا.. حتى في العمل هنا نحاول أحيانا الهرب من البيروقراطية إلى فن الإنسانية وإنسانية الفن، وعلى المسؤول التعامل معنا بحضارية القانون والنظام، فإذا به في الريف يتعامل معنا بحضارية الإنسان. ولسوء حظي أن مديري - ذات يوم - فسر لي الباء في قول الشاعر: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينال العلا من طبعه الغضب على أنها للسببية، لا للإلصاق، فلم يعد يهمني من أعلته رتبته، أمام من أعلاها. ومن هنا قررت الاستمتاع - قدر الإمكان- بحضارة الريف، قبل أن يتحول إلى رصيف.