يؤكد علماء الاجتماع على أهمية الحوار كخطاب إنساني يتم فيه مناقشة وتبادل الرأي حول قضية مهمة أو موضوع ما، بالاعتماد على الطريقة الودية والإقناع للتواصل بين الأفراد أو ما بين المجتمعات، بقصد الوصول إلى حل يرضي الطرفين المتحاورين أو الأطراف المتحاورة بعيداً عن التعصب والعنف والإقصاء. وبالتالي تعتبر لغة الحوار أداة حضارية راقية لحل كافة المسائل الخلافية المشتركة والناتجة عن العلاقات بين البشر، كما تهدف للوصول إلى منطقة توافق بين المتخاصمين، والتركيز على الجوامع والمشتركات، كما أشار لذلك العالم يورغن هابرماس في متطلبات الحوار والمتمثلة في قوله: «إن المعايير الوحيدة القابلة للصلاحية هي تلك التي يمكنها نيل قبول كل المعنيين بوصفهم مشاركين في مناقشة (حوار) عملية». لقد أصبح الحوار في مجتمعات العالم المتقدم منهجاً وطريقة لمعالجة كافة القضايا والمشكلات، بعد أن ثبت جدواه ومنفعته بشكل كبير وبأقل التكاليف، بينما في مجتمعات العالم الثالث ما زال الحوار من القيم الغائبة مع أهميته وضرورته الإنسانية على جميع المستويات والشؤون كافة، وفي ظل غياب فضيلة الحوار في هذه المجتمعات فقد سادت بدلاً عنها لغة الإقصاء والإلغاء والخلاف وعدم قبول الرأي والرأي الآخر، كما هو مشاهد بصفة يومية في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، والمتمثلة في تبادل الألفاظ النابية والجارحة، وكما قال سقراط عندما يغيب الحوار يصبح تشويه السمعة أداة بيد الفاشل. ومع استمرار انقطاع الحوارات البناءة، ينبغي وضع إستراتيجية لإثراء الحوارات بجميع مستوياتها اعتماداً على التفاهم وبناء الوعي لدى مختلف أطراف الحوار، وقبول الرأي الآخر وتجنب ثقافة الإقصاء والتعصب والحكم المسبق، والتي يظهر فيها الرأي الواحد المهيمن والمدعي احتكار الحقيقة، وليكن أساس الحوار انطلاقاً من المبدأ الرائع في الثقافة الإسلامية «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب». لقد أدى ضعف ثقافة الحوار في هذه المجتمعات إلى التوتر والاضطراب والفوضى في أغلب الحوارات، فينبغي الاهتمام بإيجاد ثقافة مجتمعية لينشأ عليها الصغار لاحترام الرأي الآخر، كتدريس أسلوب ومهارات الحوار في المناهج الدراسية للطلاب لتعليمهم كيفية محاورة الآخرين وقبول الرأي والرأي الآخر، والعناية بثقافة الحوار بين أفراد الأسرة لغرس قيم الحوار كآلية للتفاهم بين المختلفين، وكجزء من السلوك الإنساني، بالإضافة إلى تكثيف الدور التوجيهي لوسائل الإعلام وإطلاق «أسبوع للحوار» سنوياً، للتعريف بأهمية الحوار وآليات تطبيقه ونشره كثقافة ونمط حياة. وأخيراً للحوار آداب وضوابط يجب التقيد بها، كالتركيز على الأدلة الواضحة والمنطق والأسلوب السليم والإنصات للرأي الآخر، وتجنب رفع الصوت وعبارات السخرية والاستهزاء والادعاءات الكاذبة أثناء الحوار، مع الأخذ بالجوامع والمشتركات والبعد عن الأمور الشخصية، ليكون الحوار هادفا ويحقق المصلحة العامة.