أيمن العريشي محاضر في جامعة جازان لا أدري ما هو السبب الحقيقي وراء اختفاء بهجتي بفترة العطلة الصيفية مقارنة مع تلكم الفرحة التي كانت تحضر في طفولتي، ربما هو اختلاف تفاصيل الحياة واضمحلال مساحات الفراغ مقابل تراكم أعباء الأسرة والتخطيط للمستقبل، مع أنني قد أعزو ذلك لغياب الأنشطة الاعتيادية التي كنت أمارسها في طفولتي وغابت عني اليوم، سواء أنشطة كنت أمارسها في داخل منزل الأسرة أو خارجه، لكنني أتحسر هذه الأيام على حال كثير من أطفالنا وأنا أشاهدهم يهدرون ساعات وأياما وأسابيع عطلتهم الصيفية أمام شاشة ألعاب "البلاي ستيشن"، أو متمركزين أمام شاشة التلفاز لمتابعة القنوات الفضائية في حضور الرقيب أحياناً وبدونه في أحيان أخرى، عدا ذلك من الأمور التي لا طائل منها ولا فائدة سوى المزيد من تراكم الشحوم وصدأ العقول، هنالك الكثير يمكن أن يمنحه الآباء لأبنائهم في فترة الإجازة، لا تنتظر أيها الأب وأيتها الأم من أبنائكم أن يوجهوا أنفسهم ذاتياً، كم والد منكم جلس إلى ابنه وكم أم جلست إلى ابنتها منذ أغلقت المدارس أبوابها؟ من منكم رسم خارطة طريق الخمسين يوماً القادمة قبل انقضاء العطلة الصيفية؟ ليس السفر وحده هو غاية المتعة والترفيه، وإذا كانت أعمال المنزل اليوم حكراً على العمالة الوافدة مما لا يفسح للأبناء الإسهام في بعض الأعمال المنزلية البسيطة التي تنمي مهاراتهم وتصقل بعض مواهبهم فإن في معاهد تعليم اللغة الإنجليزية أو الحاسب الآلي وقبل ذلك حلقات تحفيظ القرآن الكريم وغيرها من المناشط الصيفية المختلفة بديلاً مناسباً يغني عن السهر في الليل والنوم في النهار، لا تزال ذاكرتي تختزن أوامر والدي الصارمة لإعادة ترتيب وتأهيل مكتبة منزلنا العامرة بالكتب مع أول أيام الإجازة الصيفية، والعمل بشكل متواصل على فهرسة كتبها في قوائم كي تكون في متناول جميع أفراد الأسرة عند الحاجة للرجوع إليها، هذه المهمة كانت في حد ذاتها تستغرق مني أياماً بل أسابيع وبمساعدة مشكورة من شقيقاتي الثلاث في بعض الأحيان، وهي إضافة إلى كونها مهمة شاغلة لوقت الفراغ، فقد كانت أيضاً بمثابة وجبة معرفية وثقافية دسمة، إذ إن مجرد المرور على أسماء المؤلفات وتدوينها والتعرف على مؤلفيها وتاريخ طباعتها ودور النشر الصادرة عنها، كان يعد أمراً فاتحاً للشهية لقراءة هذا الكتاب الديني أو تلكم الرواية الأدبية أو تصفح مجلة ثقافية، لدى كل منكم تجارب وأفكار، وأطفال متأهبون للتنفيذ، بادروا فقط بطرح الأفكار وانتظروا النتيجة المذهلة، ساعدوا أطفالكم كي يخرجوا من عطلتهم الصيفية بحصيلة من المتعة المقرونة بالفائدة، يشتكي الكثير من المعلمين والمعلمات بأن عقول تلاميذهم تكون خاوية مع انطلاقة العام الدراسي الجديد وذلك ليس بغريب، لأن انقطاعاً عن كل ما له علاقة بالقراءة والاطلاع وممارسة الأنشطة طلية فترة الإجازة، كفيل بتعطيل ملكات الطفل لتقبل المعلومة وحساسيته للاستيعاب، أدركوهم قبل أن يقعوا فريسة الفراغ القاتل أو تتلقفهم الميديا والضخ الرقمي الهائل بوسائطه المتعددة، هم أمانة في أعناقكم فراعوا تلكم الأمانة فيهم.