منذ أواخر حزيران (يونيو) الماضي، تمارس كوثر طقساً صباحياً غير محبب إليها، ولكنها تؤديه، إذ لا خيار متاحاً أمام الفتاة ذات العشرة أعوام لقضاء بداية نهارها في العطلة الصيفية سوى الذهاب إلى مركز لتحفيظ القرآن، برفقة فتيات الحي اللاتي في سنها. وفي فترة ما بعد الظهر، تنطلق الفتاة إلى الساحة المحيطة بمنزلها لتلعب مع صديقاتها، شرط إلا يتجاوزن حدود الحارة التي يقطنها، وتقتصر ألعابهن على التسابق، ولعبة «الاستغماية» (الاختباء)، وغيرها من الألعاب التي يبتكرنها لتمضية الوقت، وما أن تغيب الشمس حتى تعود كل منهن إلى منزلها. كوثر، كغيرها من الطلاب والطالبات، كانت تنتظر العطلة الصيفية بشوق، ولكنها اليوم لا تمثل لها سوى خلاص «جزئي» من الواجبات المدرسية «المرهقة»، ذلك أن أستاذ تحفيظ القرآن يلزمهن بكتابة واجبات، وحفظ السور التي يدرسنها، في ظل احتمال تعرضهن للعقاب. أولاد الحي الذي تحيا فيه الطفلة أوفر حظاً منها، كما تراهم كوثر التي تقول: «العيال يلعبوا باليويو والسَياكِل (الدراجات الهوائية)، وكمان يلعبوا مباريات في الدوري». واليويو، الذي ترى الطفلة أن أبناء حيها محظوظون بالإجازة أكثر منها، كونهم يلعبون به، هو لعبة ذات خيط مطاطي وجسم كروي مقسوم إلى جزءين، وبتحريكه يرتفع وينخفض ويمكن دحرجته على الأرض. غير أنه لعبة تخص الصبيان ولا تنال البنات حظ اللعب بها. وعلى ذلك فإن ملامح العطلة الصيفية، وبخاصة في أوساط العائلات الفقيرة والمتوسطة الحال، تكاد تنعدم، ما ينعكس على أطفالها. وهذا لا يعني أن الكبار منهم يستمتعون بالعطلة بالشكل المفروض، فأغلبهم يقضي نهاره نائماً، ويخصص فترة ما بعد الظهر للذهاب إلى نوادي البلاي ستيشن أو مقاهي الانترنت، ويكون التسكع في الشوارع أو الجلوس على أرصفة المحال التجارية خياراً متاحاً. بعض الطلاب والطالبات يخطط منذ بدء العطلة الصيفية لاستغلال الإجازة والخروج منها بمؤهل إضافي، فيلجأون إلى المعاهد التعليمية وتلك التي تدرس مواد الكومبيوتر واللغة الانكليزية. ونادراً ما يلتحق الشباب بالمراكز أو النوادي المخصصة لكمال الأجسام أو الرياضات الأخرى، بسبب تكاليفها المرتفعة. كوثر كانت لها أمنيات مختلفة هذا الصيف، وهي أن يتمكن والدها من تسفير العائلة إلى القرية، خارج العاصمة. فهناك بنات عمها وخالها وجدتها التي تدللها كثيراً. إلاّ أن ظروف عمل والدها أجلت إجازته إلى رمضان، ما معناه أن قضاء الصيف في أجواء أكثر حرية ورحابة من العاصمة صنعاء فرصة ضاعت. معظم العائلات المتوسطة الحال والميسورة يهرب ما أن يحل الصيف إلى القرى التي ينتمون إليها، بخاصة إذا كانوا أصحاب منازل مستقلة أو تكون هناك إمكانية لاستقبالهم في بيت الجد أو «البيت الكبير». ويخفف ذلك كثيراً من متطلبات الأطفال، فالمساحة هناك مفتوحة للركض واللعب، من دون قيود، مقارنة بأوضاعهم في المدن. أما العائلات الفقيرة والمعدمة فيمثل لها الصيف فرصة «لاستثمار» أولادها (الذكور والفتيات الصغيرات أحياناً) في العمل داخل العاصمة. وذلك بدفعهم للعمل عند إشارات المرور وبيع ما خف وزنه وسهل التكسب منه، بهدف مساعدة الأسرة في مصاريف العيش. وعن أختها الكبيرة التي تدرس في عامها الجامعي الثاني، تقول الطفلة كوثر: «مسكينة أختي. طوال اليوم تشتغل في البيت، لأنها الكبيرة وأمي تركن عليها». وهذا ما يحدث في البيوت اليمنية فانشغال الفتيات بالدراسة في المراحل الثانوية أو الجامعة طوال العام الدراسي، يكون سبباً لتخفف عنهن أعباء العمل. ولأجل ذلك يقضين هذا «الدَيْن» في الإجازة بتسليمهن زمام الأمور طوال فترة العطلة الصيفية. إلى ذلك فإن أجمل ما يزيّن العطلة الصيفية في اليمن، وبخاصة في صنعاء، هو كثرة الأفراح، إذ لا تكاد القاعات المخصصة لهذه المناسبات تفرغ، في أي من أيام شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، بما يجعل الشهرين موسماً دسماً للفرق الفنية التي تحيي الأفراح، فتعمد إلى رفع مستحقاتها المالية ولا يكون أمام الأسر سوى القبول. كما تشهد الأسواق بمنتجاتها المختلفة (الملبوسات والمأكولات) نشاطاً تجارياً ضخماً، ما يسهل على التجار التلاعب بالأسعار ورفعها، أو تصريف بضائعهم القديمة، في ظل إقبال الناس على شراء حاجات العطلة المختلفة.