يُعدُّ الذَّكاء الاصطناعيّ وليد الثّورة المعلوماتية، وهو يتميّز بقدرة على تحليل البيانات وإجراء البحث بسرعة قصوى من شأنها إرشاد القانونيين وتمكينهم من وضع استراتجيات قانونية تتميّز بالدّقة والشّمولية بالإضافة إلى استنتاجه تصورًا شاملًا بشكل استباقي لنتائج الدّعاوى القضائية الأكثر احتمالًا. لذا تدرس الخدمات القضائية وخدمات الإدعاء العام وغيرها من الهيئات القضائية المختصة في العالم، استخدام الذَّكاء الاصطناعيّ في النّظم القضائية؛ للمساعدة في التّحقيقات وفي أتمتة عمليات اتخاذ القرارات. وهناك أسباب كثيرة تعوق أعمال القضاة لتحقيق العدالة الناجزة، بعضها مرتبط بنصوص قانونية، والبعض الآخر مرتبط بكثرة عدد القضايا وطول الإجراءات وقلّة عدد القضاة، وطول أمد تنفيذ الأحكام وتعطيله أو الامتناع عنه. إن التّعلل ببطء التّقاضي لا يعني تقييد لجوء المواطنين للقضاء من أجل الحصول على حقوقهم أو القصاص من المعتدين، فلا بُدَّ من نشر الثقافة القانونية بين المواطنين والموظفين الذين يتلقون التّبليغات وكيفية التّصرف فيها بالسّرعة الممكنة، وانفتاح المحاكم أمام المجتمع بما يحقق إرساء مبدأ علانية المحاكمات. لقد ظهرت الحاجة المُلحة إلى استخدام الذَّكاء الاصطناعيّ الَّذي يتمتع بإمكانات هائلة يُمكن استخدامها لتحقيق المنفعة الاجتماعية وبلوغ أهداف التّنمية المستدامة، خاصّة على صعيد الأنظمة القضائية، فلقد أثبت قدرته على تعزيز كفاءة هذه الأنظمة من خلال اعتماد منصّات العدالة الرّقمية التي تعمل على تسريع إجراءات التّقاضي وتختصر وقت وجهد المتقاضين. وإذا كان النّظر للعدالة النّاجزة يقتضي النّظر للجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتّشريعية، فإنَّه لتحقيقها لا بُدَّ من دراسة كلّ الجوانب بشكل معمق. وبالنّظر إلى ما يقدمه الذَّكاء الاصطناعيّ في مجال العدالة النّاجزة، فهو يوفر كلّ الاحتياجات، فلا يتطلب زيادة عدد الأفراد أو عدد الأماكن، فقط الحاجة إلى توفير الأجهزة الإلكترونية المناسبة في المحاكم وتجديدها باستمرار لمواكبة التّكنولوجيا الحديثة باستمرار، والتّوسع في المحاكمات المصورة وسماع الشّهود عن بعد. لا شك أنَّ مجالات الذَّكاء الاصطناعيّ تنمو بشكل كبير جدًا، الأمر الذي يحتم على الجهات المعنية السّعي لإعداد تشريعات قانونية تضبط استخداماتها، وتحدد المسؤوليات في نتائج الممارسات والأعمال، لخلق بيئة استثمارية متطورة ورائدة في التّقنيات التّكنولوجية المرتبطة بالذَّكاء الاصطناعيّ. يذكر أن البرامج الذّكية تتمتع باستقلالية غير متوقعة، وفقًا لما تمليه عليها البيئة المحيطة، وتتخذ قراراتها دون الرّجوع إلى مستخدميها، ما قد يخلق مخاوف بشأن المسؤولية القانونية والأخلاقية التي قد تترتب على أعمال هذه البرامج، مثل أن تلحق مركبة ذاتية القيادة أضرارًا بالغة، نتيجة عوامل لا يمكن التّنبؤ بها أو دفعها. فضلًا عن أنَّ استخدام الذَّكاء الاصطناعيّ يثير مجموعة كبيرة من الصّعوبات مثل اتخاذ خوارزميات الذَّكاء الاصطناعيّ قرارات متحيزة، لكنَّ كلَّ هذه الأمور ستصبح سهلة إذا بدأنا فيها بخطوات جادة.