لاشك أن دعوة المملكة العربية السعودية لتطوير واقع العمل الجمعي الخليجي القائم حاليا بين أقطار مجلس التعاون الخليجي، من إطار مجلسي إلى إطار اتحادي، حتى وإن جاء بمستوى أدنى من صيغة الوحدة الاندماجية، ستكون خطوة إستراتيجية، مطلوبة بإلحاح أكثر من سواها، من أمور التقارب الأخرى. وإذا كانت التحديات والمعوقات التي تعصف بالوضع العربي بمجمله، تفرض آنية التلاقي بين المملكة العربية السعودية والبحرين كخطوة أولى، فلا بأس أن تكون تلك الخطوة نقطة البداية على جدول أولويات إعادة صياغة الحال المنهك باتجاه التوحد، استجابة للمخاطر التي تواجه عروبة أقطار الخليج العربي، وفي المقدمة منها الازدواجية السكانية التي خلقتها العمالة الوافدة، والتي تشكل طابورا خامسا للبلد الأم، من الخلايا النائمة بأشكال متعددة. ولاشك أن أي إطار من التوحد الخليجي مهما كان متواضعا، وبأي صيغة تسمح بها التحديات الراهنة، ستكون له انعكاسات إيجابية من الوفورات الاقتصادية التي سيتيحها الاستثمار الجمعي الكبير للرأسمال الخليجي، الذي يبحث لنفسه عن بيئة ملائمة قادرة على استيعابه في برامج تنمية مستدامة، لا تتاح له إلا في إطار تشابك الاقتصاد العربي الخليجي الكبير الموحد عموديا وأفقيا، مقابل محدودية الطاقة الاستيعابية لسوق قطرية متشظية ومتخمة، ومحفوفة بمستوى عال من عامل المخاطرة الاقتصادية والأمنية، في بيئة إقليمية تعج بالتوترات. إن ميزة الاتحاد المقترح اليوم، تكمن في توفيره فرصة كبيرة لتوكيد الهوية الأم، المهددة بالمسخ والتشويه، بسبب مخاطر التحديات الإقليمية. ولعل تصاعد الوعي الشعبي العربي بمخاطر التمدد الإيراني الداهم بات يدفع الآن باتجاه التوحد بإلحاح، أكثر من أي وقت مضى، دون التفات لمثل تلك المعوقات، على قاعدة أن الاتحاد المنتظر، سيعطي رسالة للجميع، بأن أقطار الخليج العربي في إطاره، ستكون كتلة سكانية، ووحدة إقليمية واحدة، وبالتالي فإنها سوف لن تكون لقمة سائغة، يسهل ابتلاعها من قبل إيران متى شاءت ذلك، ولذلك فإن الاتحاد المقترح بموجب تلك التصورات، سيكون ضرورة لا مناص منها، بما يشكله من ضمانة للأمن الجماعي لدول الخليج العربي، بغض النظر عما سيوفره لها من بيئة مثلى، لتوظيف مواردها المتاحة، في مجالات الاستثمار المناسبة لفرص اقتصادات السوق الكبيرة. ولعل هذا النهج التوحيدي للإمكانات العربية على هذا النحو الجاد، لا يروق لإيران وأذرعها المنتشرة في ساحات عربية كثيرة بمسميات مختلفة، ولاسيما أن المؤشرات المستجدة تشير إلى أن الأطماع الإيرانية، ما فتئت تتربص ببلدان الخليج العربي الدوائر، لتنفيذ مشروعها التوسعي في المنطقة، الأمر الذي يحتم استعجال الدخول في إجراءات تنفيذ مشروع وحدة أقطار الخليج العربي بأي صيغة كانت.