عندما تفعل فعلا حسنا، فتيقن - بإذن الله - أن هذا الفعل سوف يتعداك لغيرك، ولو توهمت بأنه سيقف عليك فقط. إن دائرة التأثير الإيجابية لها دورها البناء في تحسين سلوكيات المجتمع، والإسهام في تقويم التصرفات والأفعال العفوية وغير العفوية بين بني البشر. فمثلا، لو أن شخصا في مكان عام ومفتوح توقف عن مساره، ثم التقط بعض النفايات في طريقه، ووضعها في سلة المهملات، حتما سيشعر من يراه - ولو كان شخصا واحدا - بواجبه تجاه مجتمعه، وتجاه نفسه قبل ذلك، وسينعكس هذا في نفسه، ويبقى أثره على المدى البعيد. وكلما كبر حجم الفعل الحسن، كلما عظمت آثاره، وتعددت منافعه، وتفوقت سماته، ليكون حديث الخاصة والعامة، ومضرب مثل للقريب والبعيد، على امتداد الأزمان والسنين. لعل من أهم ما حثني على إثارة هذا الموضوع ما صنعته الأم (أم الإحسان) الشيخة نورة الواهبي الشهراني، من عفوها عن قاتل ولدها لوجه الله، وبدون أي مقابل، وذلك بعدما إجارته وقت ارتكابه جريمة قتل فلذة كبدها. هذه الإنسانة الملهمة بهذا الفعل العظيم ضربت أروع الأمثلة في الصبر والاحتساب، وشيمة العرب، ورباطة الجأش، وغيرها الكثير والكثير من المناقب، التي نعجز في هذا المقام عن تعدادها وذكرها. بعد هذا العفو الجميل، وذلك الفعل الأبيض التي قامت به الأم نورة، رأينا وسمعنا نماذج من المجتمع سجلوا عفوا عن من قتل ذويهم لوجه الله، واقتداء بفعل هذه السيدة العظيمة. لكم أن تتخيلوا عظيم الأثر الذي سطرته الأم نورة بفعلها، وكيف أنها كانت سببا لإعتاق بعض رقاب من ثبت في حكمهم القصاص، كل ذلك لوجه الله - من ذويهم - لا يطلبون جزاء ولا شكورا من المخلوقين. نقول إن هذا الفعل المشرف والعظيم كان أثره متعديا، ليعم رقعة عظيمة من هذا العالم، ومن ثم كانت فضيلة العفو هي الفضيلة التي سمعنا بها الأيام الماضية مرارا وتكرارا، لتبتهج أنفسنا بهذا العمل العظيم، وما كان ذلك إلا اقتداء بهذا الفعل الأبيض والتصرف المشرف من سيدة العفو «الأم نورة».