إن للحرية إطارا أخلاقيا يُكمل مكامن سمو الإنسان للأفضلية، وليوتوبيا المجتمعات الفاضلة التي كانت الأمم الفكرية تسعى إليها، فالعيش الرغيد في فضيلة الحرية لا يُستنبت في حالة سِوى إن مكنت الخُلق معالم هذه التصرفات اللامقيدة بحدِ سواء. فإن التنمر على فئة دينية ونحوها بقاع الكَلِم كما فعل الرئيس الفرنسي، أو إلقاء التذميم لِشخص بلاه الله بمرض، أو إبداء رأي وقح تجاه معاق يُعّتبر من منافيات أبواب الحرية، وهذا ما كنتُ أتراشق به مع معلم بريطاني في منصة تويتر قبل أسابيع عن إطار الحرية، كان يحثني على تعلم حريتهُ المزعومة بأن «يحقُ للجميع إبداء رأي مهما كان ومع ما كان وبأي طريقة، وأن يتصرف كما يشاء وأينما يشاء وبأي طريقة»، ويعزز ثاني كلامَه بثالث مصادر تتفاضل تلك المصادر بسطور عن اُخرياتها بمفهوم الحرية، حتى وقع في فخ نقل مصدر بلا دراية تامة فيه، كون تلك المصادر أكدتَ على السمو الإنساني والأخلاقي في دور القيام بهذه الحرية التي قد وضعها الإسلام في واقع الأمر، وبمشاتل لذيذة حكيمة صافيةُ، نقية ذات رقي يَنهض بالأقوام إلى عنان السماء بفضيلة «الحرية الأخلاقية». الحرية لقومٍ بلا فكر صحو وسموٍ أخلاقي يجعل منهم في مصافي المجتمعات المتعربدة، ولقد كان لنا في شتى الحضارات أمثلة ضربها القرآن الكريم لنا في منزل التحكيم، إلى أن وصل الحال بصفاف الأقوام للإبادة، وأن أي حضارة تنتهج هذا المفهوم اللا إطاري تجاه الحرية ولم تتقوم، فما هيَ بعضُ أعوام حتى تنتحر هذه الحضارة، فلا يحتاج عدوها لنقدها لتستوي وتعتدل، ولا حتى النظر لها، فمخرجاتها اللفظية تمثل بوادر نقعها الخفّي المترتب على قراراتها وحوكمتها الإدارية الداخلية والخارجية. إن هذه الحضارات لا تحتاج للقتل كونها تموتُ منتحرة يا سادة، وهذا ما يؤكده علماء الاجتماع منذ خطاط التخصص الأول ابن خلدون، فإن من دلالات انتهاء الدِوَل هو خروج ذمامتهم الخلقيةُ حتى يبدأ هذا الوباء السلوكي في مقامها وينهشها فظاظة السرطان بالعظِمّ حتى تُباد.