حدودنا كبلاد وجدت لتحرسنا.. بل هناك فعلا رجال أمن قائمون عليها يطلق عليهم حرس الحدود «أسأل الله أن يحميهم ويجزيهم عنّا ألف خير».. وعند الحدود يكون الحرس متواجدون أربعا وعشرون ساعة في اليوم.. متأهبّون لرد أي غزوات غير مرحّب بها من الخارج، كي يدوم علينا الأمن والأمان بإذن الله. وفي الواقع وما يجب علينا جميعاً إدراكه، أننا نحن كبشر أيضًا لدينا حدود.. حدود وُجِدَت لتحمينا وتحمي سعادتنا.. حدود تحدِّدنا كشخصيات.. حدود لطاقاتنا.. حدود لمجاملاتنا.. حدود لخصوصياتنا.. حدود لكل ما نحن عليه وما نملك.. وتختلف قواعدنا من شخص إلى آخر.. والمهم أنّه ليدوم علينا الأمن والأمان الداخلي.. يجب علينا فهم حدودنا والالتزام بها.. فلا يوجد حرس لوقايتها.. بل حمايتها عمل شخصي.. اجتهاد.. وكلما اجتهدنا به وأدركناه، زاد هدوؤنا وسلامنا النفسي. تعدّي الحدود الشخصية له أشكال مألوفة، أصبحنا نراها بكثرة فاعتدناها ربما.. منها أن يطلب منك شخص أن تعطيه بأي طريقة فوق طاقتك «معنويا.. جسديا.. أو ماديا» ومنها أن يتدخل أيٌ كان في أمر شخصي يخصّك ولا يخصّه، بالحديث أو السؤال عنه أو التطرّق له بأي طريقة.. ومنها أن يبدي زميل أو صديق للآخرين أي شيء تود إخفاءه.. «قصة.. حدث سعيد أم حزين.. موقف.. أو حتى صورة»، ومنها عدم مراعاة رغباتك أو اختياراتك الشخصية.. ومنها كذلك أي كلمة سلبية موجّهة لك لا تستحقها «على شكل تذكير بذكرى سيئة حدثت لك، أو انتقاد غير بنّاء أو حتّى العتاب الكثير على أتفه الأمور». قد تكثر علينا هذه الغزوات غير المرحّب بها، لتنتهك طاقاتنا لأن كثيرا من الناس أصبحوا لا يشعرون للأسف.. كثير من الناس أصبحت مجرّدة من الإحساس بالغير، لدرجة أنهم لا يهتمون لنتائج أقوالهم وأفعالهم حتى أنهم أصبحوا لا يحسبون حسابها.. ربما أنهم يعتقدون أن التعدّي على حدود الناس والضغط عليهم بأي طريقة شيء عادي أو من حقوقهم.. أو ربما هم حتى لا يدركون ما يفعلون.. فالأنانية تعمي صاحبها.. والتفكير بالآخرين واللا أنانية يجب أن توجد كي يحترم الإنسان مكانه ويهتم بمشاعر من أمامه. المهم أنّنا لنتخلص من هذه الفئة من الناس، يجب على كل شخص منّا أن يبدأ بنفسه.. أن يستشعر كل منّا من أمامه.. فتوجد علامات استياء تظهر على من أمامنا بوضوح، عندما نضغط عليهم أو نضايقهم بأي طريقة.. وإن كنّا نهتم فعلا سنفهم تلك العلامات من الضجر الظاهر على الوجه.. من التغيّر في نبرة الصوت.. من الابتسامة الصفراء.. من البعد.. وما إلى ذلك من الدّلالات.. فكما أنَّ للسيّارة جهازا يصدر صوتا لينبّهنا عند الاقتراب الزائد من أي شيء.. لنا عقل جميل خَلَقَه الله لنا.. يحذّرنا عندما نضغط على من أمامنا بأي طريقة.. لكنّنا نختار بين أن نسمع لوعينا وننسحب بلطف، أم نستمر بتعدّينا على حدود الغير دون مراعاة. في الحقيقة، كما نبغض من يتعدّى حدود بلدنا الحبيبة دون إذن.. نحن نبغض من يتعدّى حدودنا الشخصية دون إدراك.. بل نبتعد عنهم تلقائيا. قرأت حكمة تقول «إن الحدود التي أضعها اليوم، هي استثمار لغد دون بغض، ألم، أو تخلٍ».. فعلاً، لنستثمر في سعادتنا وراحتنا، يجب في بعض المواقف عند التعدي علينا أن نتجرّد من الخجل، لنتمكّن من وضع حدودنا بكل وضوح.. فنحن حرّاسنا ولا تصح مجاملة المعتدين. قد نعطي الغريب الغازي العذر أحيانًا لكونه لا يعرفنا.. أما القريب ممّن يتعدّى حدودنا دائما فهذا إنسان لا نهمّه.. لأن من يهتم لنا ويحبنا فعلا، سيحترمنا وسيلزم حدودنا، كي يحافظ علينا سعيدين قريبين. أنا مع تقبّل الجميع وأخذ الأمور بسماحة.. لكن الله عز وجل خالقنا وملكنا بقدرته، لا يكلّف نفسا إلا وسعها، فمن هذا الإنسان المخلوق الذي نسمح له بأن يستنزف طاقاتنا؟ ولم؟!.