كنت أُولى المرحبين بنظام"ساهر"، وكتبت إشادةً به أولَ ظهوره، وأذكر أيضاً أن المدير العام للمرور اللواء عبدالرحمن المقبل هاتفني يردّ لي التحية، شارحاً بعض مزاياه السريعة... لكن"ساهر"خذلنا في الحقيقة، وأنا لا أقول هذا الكلام بسبب ما يشاع ضده، بل بسبب ما اختبرْتُه بنفسي ومقارنتِه مع"سواهر"المدن الأخرى، ففي كل أنحاء العالم توضع الكاميرات ثابتة على عمود، واضحة للجمهور، وفي الشوارع الحيوية، أو معظمها، وعلى مسافات مدروسة، تسبقها لوحات تحدد السرعة، بينما في شوارعنا تخبّأ كاميرات ضبط السرعة في سيارات سرية تقف وقتاً ثم تذهب، تصيد الناس وفق منهج"خبط عشواء، مَن تُصِبْ تُمِتْه ومن تخطئْ يُعَمَّرْ ويَهْرَمِ". ولأن هذا المنهج لا يَعْدِل بين الناس، ولا يضعهم وفق نظام واضح معلن أمام الجميع، ولا يكلِّف نفسه بدفع ما عليه أولاً، بإنشاء كاميرات في الشوارع، فقد أشاع بين الناس أن له وجهاً مخادعاً وغير مستقيم، وبات السائقون المصابون بطلق"ساهر"العشوائي يشعرون بأنهم ضحايا"نظام جباية"أضاف إلى معاناتهم رداءةَ الطريق والزحام وتهور المراهقين معاناةً، فأصبحوا يسألون عن المعايير المرورية التي لهم، طالما المرور يهتم بما هو عليهم. تذمّرَ الناس حتى أصابت الجميع عدوى التذمر، وفيهم من هو محق ومن هو بعيد عن جادة الصواب، حتى إن بعض الوعاظ الذي يغازلون الجماهير استغلوا الموقف ضد"ساهر"، فراحوا يقفون مع الناس -حتى لو تهوروا- ضده، وشنعوا عليه وأفتوا بحرمته، ما حدا بأحد المتهورين أن حمل سلاحه وهبط يقصف إحدى كاميرات"ساهر"المختبئة في سيارة، فأصاب معها رجل المرور وأرداه قتيلاً، مسجلاً أول موقف تعدٍّ خطر على نظام المرور. وكم كانت دهشتي عجيبة حين وجدت شابين من أقاربي يحملان شهادات عليا ويواجهان"ساهر"بعناد في الطرق البرية السريعة، فيضعان غطاء على لوحاتهما كي لا يلتقط رقمها"ساهر"، وحين سأ?لت الأول لِمَ يفعل ذلك قال لي بعناد إن الهدف دفْعُ ظلم"ساهر"عن نفسه، أما الآخر فاعترف بأنه يقلّد الآخرين، ظناً منه أنها حركة دهاء وفطنة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل دخل بعض شباننا الحدود البرية الإماراتية في عطلة الربيع الماضي، يغطون لوحات سياراتهم، فهل هناك أبشع من هذا الفهم الخاطئ لنظام جاء ليحمي الناس من نزعة الانفلات، ويضبط التهور الذي بلغ عدد ضحاياه 17 قتيلاً يومياً؟ النظام، كي يحترمه الجميع، يجب أن يكون واضحاً وصريحاً، لا يسمح بالتفسيرات الشخصية، وعادلاً أيضاً، يضع الجميع على قدم المساواة، لكن"ساهر"أصبح أشبه بوالد يعلن عن غرامة لمن يتخلف عن موعد الغداء لكنه لا يحدد وقته، فمرة يكون في الثانية ظهراً، ومرة في الثالثة، ومرة في الرابعة، لكنه رغم ذلك يتوقع أن يكون الجميع حاضراً ومنضبطاً. [email protected]